الخميس، 1 ديسمبر 2011

الغيب فى حياتنا

                              بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 
                    وبعد 
فعندما نتحدث عن الغيب نجد أن أول غيب يتحتم على كل من كانت فيه نسمة الحياة أن يؤمن به ألا وهو:
                 الله
فهل رأى احد منا ربه أو حتى زعم أنه رآه بل من منا أحس الله   ؟ لا يمكن لمخلوق أياً كانت رتبته أن يجيب بنعم لذا كانت أول آيات الذكر الحكيم دعوة صريحة الى الإيمان بهذا الغيب ( الله)
قال تعالى فى مطلع سورة البقرة " الذين يؤمنون بالغيب " وأول غيب كما قلنا هو (الله) لذا أفرد لفظ الغيب ليتعلق بغيب واحدٍ أولاً وهو(الله)لأن من يؤمن بالله سوف يؤمن بكل غيب يخبر عنه الحق جل وعلا ومن هنا كانت كلمة الإيمان دليل شامل على أنه لايمكن الايمان إلا بأمر غير محسوس فهذا الاله العظيم الذى لا يرى ولا يحس وجب الايمان به من خلال الفطرة السليمة النقية ولذا سئل الامام على كرم الله وجهه كيف عرفت ربك؟ فقال " عرفت ربى بربى وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغنى مرادى فى ربى"(الله)قوة تغيبت عن كل محسوس ومخلوق انسى أو جنى أوملك لا يتسنى لمخلوق رؤية الخالق حتى حملة العرش المقربين قال تعالى"الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به"ومعنى أن حملة العرش يؤمنون بالله فهم لم يروا الله لأن لفظ الإيمان لا يتعلق بعالم الشهادة وإنما يتعلق بعالم الغيب الأول فى الوجود وفى 
اللاوجود فالوجود لنا وللاوجود والوجود لله وحده.
  الله هذا الاله الحكيم لازمان ولا مكان ولامادة تعالى الله عن المكان والزمان والمادة والجهة ومن هنا جاء سائل الى مدينة العلم على كرم الله وجهه فقال له ياإمام أين الله؟ قال على"إن الذى خلق الأين لا يقال له  أين" قال ياإمام كيف الله قال  ان الذى كيَف الكيف لا يقال له كيف قال يا امام أين جهة الله فقال على كرم الله وجهه أحضروا لى أنبوب من زجاج ووضع فيه شمعة ثم قال للسائل يا سائل اين جهة الشمعة قال ليس لها جهة قال كذلك ربك يا سائل ليس له جهة هو فى كل جهة"
إذً الايمان بالله عين الغيب إن لم يكن الغيب كله وكما آمنا بالله بالغيب أمرنا سبحانه بأشياء أخرى تعلقت بالغيب الأول الله منها
1- وجود المادة -الانسان - قبل أن توجد .
2- وجود المادة بعد عدمها فى عالم اللاوجود.
3- وجود المادة فى عالم البرزخ بعد وجودها فى عالم الشهادة.
 ومن هنا كانت مراحل الانسان فى العالم على مراحل متباينه :
ِ1-عالم الغيب المقيد :وهو عالم الذر الذى تعلقت فيه الروح بغير جسد وذلك حين أخذ الله العهد والميثاق على أن نؤمن به ونشهد بربوبيته قال تعالى "وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلا شهدنا"فأين كنا نحن من هذا العالم  هل تذكر متى شهدت لربك بالالوهية وانت غير موجود الله قال بأنى وانت والعالمين من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة شهدوا له بأنه إله واحد هذا العهد موجود بداخل الخلق كلهم جميعا ولا يظهر إلا عندما يفتقد الانسان منا كل دوافع الامن وعندما لايجد نصيرا أو معينا من المخلوقين أياً كانت ملته ومذهبه سوف تجده يرفع بصره الى السماء ويقول بملىء فيه الله هب أن رجلا ليس له أى دين ركب سفينة وكادت تغرق فماذا يقول؟ سوف يقول وبلا أى شك الله قال تعالى " وإذا مسكم الضر فى البحر ضل من تدعون إلا إياه؟ وقال أيضا " ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون" فهذه هى الفطرة السليمة داخل كل انسان مهما كان دينه -
هذا الغيب الرهيب الذى وجدنا فيه قبل ان نكون هو غيب مقيد لأنه قد تقيد بانتظار الجسد الذى سوف يكون مركبا له فى رحلته الارضيه حتى يوقفه على عتبات الاخرة -القبر - ثم يتخلى عنه مرة أخرى.
2-عالم الغيب فى ظلمة الارحام:
فهل كنا ونحن فى أرحام أمهاتنا نعلم عن هذا العالم العجيب أى شىء ؟ أو كنا نتذكر كيف كنا ونحن فى الارحام؟ بالطبع لا ولا يمكن لأحد أن ينكر هذا العالم -الارحام - لأنه ما من مخلوق إلا وقد عاشه. فهذا عالم عشناه بماديتنا ولم ندرك منه شىء لكن الذى أوجدنا أخبرنا وعرفنا ما فى هذا العالم العجيب وكيف نتقلب فيه من طور الى آخر قال تعالى "يا ايها الناس إن كنتم فى ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة ونقر فى الارحام ما نشاء"
وعالم الرحم غيب قد أحيط بشهادة فهو غيب على من بداخله وشهادة للام التى استشعرته منذ لحظات حمله الاولى فأين كان إدراكى آنذاك ؟ورغم ذلك لم ينكر أحد مروره بهذا العالم.
3- عالم الدنيا :
      وهو وجودى بعد عدمى حيث كنت معدوما فى عالم الوجود بلا جسد أعيش فى عالم الارواح المطلقة فى الغيب المقيد ومن ثم أحضرت إلى هذه الدنيا بغير إرادة منَى ولا من والدىَ أصبحت إنساناً يجادل فى الحق بل أصبحت أمشى وأقعد أصبحت أعلم بعد جهل أصبحت أنفى وأُثبت رغم أننى لم أتذكر شىء من هذه المراحل التى عشتها مقيداً ومطلقا لكن الذى أوجدنى أخبرنى بكل ذلك أفلا يحق لى أن  أؤمن به .
وبعد ذلك أخبرنى الذى أوجدنى أنك ما خلقت لتلك الدار وإنما خلقناك لدار القرار ولكن قبل أن تجتاز الى دار القرار لابد لك من محطة رابعة ينهدم فيها بنيانك وتبلى فيها عظامك حتى نعيدك يوم البعث بمدارك تقوى على هذه الدار سواء أكانت الجنة أم النار .
ورغم كل ذلك كفر بالله من كفر وجحد به من جحد وهذه الدنيا كلفنا الحق فيها بالطاعة والعبادة والايمان الكامل بما وعدنا به لتكون محل إختبار .
فهل العلم بما كان وأنا لم أكون أهون من العلم بما يكون بعد أن كنت طالما أخبرت ونبئت بما كان فيه سواءً عالم الغيب المقيد أم عالم الرحم ؟ بل إن العلم الحديث اكد هذه الاطوار التى حدثناالله عنها والظلمات الثلاث التى نمرَ بها فى أرحام أمهاتنا ؟ لا شك أن المستقبل الذى يحدثنا الحق عنه وأنه كائن لا محالة لا يمكن التشكيك فيه بل الواجب التسليم  والايمان به لما مضى من صدق  ما أخبر به الله .
4- البرزخ :
ماهو البرزخ ؟ وهل هناك حياة فى هذا العالم؟ 
أولا البرزخ هو الحاجز الذى يفصل بين شيئين كما قال تعالى " بينهما برزخ لا يبغيان" وقال " وجعل بين البحرين حاجزا "
ولكن البرزخ الذى قصد به عالم القبور فهو من قول الحق جل وعلا "ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون "والمقصود به الحد الفاصل بين عالم الاحياء وعالم الاموات والبرزخ هو الشىء الخفى الذى لا يمكن لمخلوق أن يراه مهما أعطى من وسائل الادراك والمخترعات والبرزخ هذا لا يتعلق بالاموات وإنما يتعلق بالاحياء وذلك كى لا يطلعوا على هذا العالم خاصة انه اصبح من عالم الامر لا من عالم الخلق "ألا له الخلق والامر "ولذا قال تعالى "قل الروح من أمر ربى " ومعنى ذلك أن عالم الامر مرتبط بعالم الغيب الذى لا يمكن إدراكه ومن هنا كان الايمان بهذا العالم لا يتأتى إلا عن طريق السماع من الوحى الالهى قرآناً وسنه - وحياة البرزخ تتشابه مع حياة الارواح فى عالم الذر إلا أن الاولى تختلف عن الثانية فى امور منها :
ا-الغيب الاول فى عالم الذر ليس معه إدراك كامل وإنما هو إدراك الفطرة التى فطر الله الناس عليها .
2-الغيب الثانى فى عالم البرزخ معه إدراك كامل لأن الذاكرة موجودة وإن كان العقل محلها إلا أن الذاكرة ترتبط بالعقل بحبائل من نور يستمد من نور الروح وعندما يفتقد الانسان حياته 
ويصبح رفاتاً تجده يندم ويفرح يندم على ما قصر إن كان عاصيا ويفرح إن كان مؤمنا قال تعالى " حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربى ارجعون لعلى أعمل صالحاً فيما تركت" وذلك لأن الروح هى أصل المدركات التى يستشعر بها الانسان العالم المحسوس .


5- الآخرة- الغيب المشاهد - وهى دار المعاد ولا تحتاج الى مزيد ايضاح فقد تحدث القران عن الاخرة على انها غيبٌ حق وواقع لا محاله بل وأوضح لنا الحق صورا ومشاهد لم تحدث بعد ولكنها حدثت فى علم الخالق جل وعلا.
                        " فسبحان الذى بيده ملكوت كل شىء "
                                          سامى العقيبى

ليست هناك تعليقات: