الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

دعوة الاسلام الحقيقية فى تقرير المبادىء الاخلاقيه

فقد قرر وحدة الجنس والنسب للبشر جميعا , (فالناس لآدم ولا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى) , وحكمة التقسيم إلى شعوب وقبائل إنما هي التعارف لا التخالف والتعاون لا التخاذل , والتفاضل بالتقوى والأعمال الصالحة التي تعود بالخير على المجموع والأفراد , والله رب الجميع يرقب هذه الأخوة ويرعاها , ويطالب عباده جميعا بتقريرها ورعايتها , والشعور بحقوقها والسير في حدودها.
ويعلن القرآن الكريم هذه المعاني جميعا في بيان ووضوح فيقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) فاتحة سورة النساء . ويقول النبي محمد r في أشهر خطبه في حجة الوداع: (إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعظمها بالآباء والأجداد , الناس لآدم ، وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى) ويقول: (ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية) رواه أبو داود.
وبهذا التقرير قضى الإسلام تماما على التعصب للأجناس أو الألوان في الوقت الذي لا تزال فيه الأمم المتحضرة من أوربا وأمريكا تقيم كل وزن لذلك , وتخصص أماكن يغشاها البيض ويحرم منها السود حتى في معابد الله ، وتضع القوائم الطويلة للتفريق بين الأجناس الآرية والسامية ، وتدّعي كل أمة أن جنسها فوق الجميع.

وقرر الإسلام وحدة الدين في أصوله العامة , وأن شريعة الله تبارك وتعالى للناس تقوم على قواعد ثابتة من الإيمان والعمل الصالح والإخاء , وأن الأنبياء جميعا مبلغون عن الله تبارك وتعالى , وأن الكتب السماوية جميعا من وحيه , وأن المؤمنين جميعا في أية أمة كانوا هم عباده الصادقون الفائزون في الدنيا والآخرة , وأن الفرقة في الدين والخصومة باسمه إثم يتنافى مع أصوله وقواعده , وأن واجب البشرية جميعا أن تتدين وأن تتوحد بالدين ، وأن ذلك هو الدين القيم وفطرة الله التي فطر الناس
عليها ، وفى ذلك يقول القرآن الكريم: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا) (الشورى:13) , ويقول القرآن الكريم مخاطبا النبي محمد r: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (الشورى:15) ، ويقول النبي محمد rمصورا هذا المعنى أبدع تصوير: (مثلى ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطرفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة ، فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين) أخرجه الشيخان.
وسلك الإسلام إلى هذه الوحدة مسلكا عجيبا , فالمسلم يجب عليه أن يؤمن بكل نبي سبق ويصدق بكل كتاب نزل , ويحترم كل شريعة مضت , ويثنى بالخير على كل أمة من المؤمنين خلت ، والقرآن يفترض ذلك ويعلنه ويأمر به النبي وأصحابه: (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة:136) , ثم يقفي على ذلك بأن هذه هي سبيل الوحدة ، وأن أهل الأديان الأخرى إذا آمنوا كهذا الإيمان فقد اهتدوا إليها وإن لم يؤمنوا به فسيظلون في شقاق وخلاف وأن أمرهم بعد ذلك إلى الله فيقول : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة:137).
ويدعم هذه الوحدة بين المتدينين والمؤمنين على أساسين واضحين مسّلمين لا يجادل فيهما إلا مكابر:
أولهما: اعتبار ملة إبراهيم عليه السلام أساسا للدين وإبراهيم , ولا شك وهو مرجع الأنبياء الثلاثة الذين عرفت رسالاتهم وهم: موسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعا.
وثانيهما: تجريد الدين من أغراض البشر وأهوائهم , والارتفاع بنسبته إلى الله وحده فتقرأ في سورة البقرة قوله تعالى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)  إلى قوله تعالى: (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ , قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) , ثم إلى قوله تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الآيات 130-141.
إن القرآن يثني على الأنبياء جميعا فموسى نبي كريم : (وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) (الأحزاب:69) , وعيسى عليه السلام (رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) (النساء:171) , (وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ , وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران:45-46) , (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) (المائدة:75) , أكرمتها الملائكة (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:42).
والتوراة كتاب كريم (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ) (المائدة:44) , والإنجيل كذلك كتاب كريم فيه هدى ونور وموعظة (وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (المائدة:46) , وهما والقرآن معهما مصابيح الهداية للناس (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ) (آل عمران:3).
وبنو إسرائيل أمة موسى أمة كريمة مفضلة ما استقامت وآمنت (يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة:122) , وأمة عيسى عليه السلام أمة فاضلة طيبة ما أخلصت (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً) (الحديد:27).
والتعامل بين المسلمين وبين غيرهم من أهل العقائد والأديان إنما يقوم على أساس المصلحة الاجتماعية والخير الإنساني , (لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ , إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة:8-9).
والجدال يكون بالتي هي أحسن إلا للذين ظلموا , وأساسه التذكير بروابط الرسالة السماوية ووحدة العقيدة الإيمانية (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (العنكبوت:46).
وبذلك قضى الإسلام على كل مواد الفرقة والخلاف والحقد والبغضاء والخصومة بين المؤمنين من أي دين كانوا , ولفتهم جميعا إلى وجوب التجمع حول "شريعة الإسلام" ونبذ كل ما من شأنه العداوة والخصام بين بنى الإنسان , (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:62).
فإن أبى الناس إلا أن يفترقوا ويختلفوا ويحتكموا إلى أهوائهم باسم الدين فإن الإسلام وبني الإسلام وشريعة الإسلام الإنسانية العامة منهم براء (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ , مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ , قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ , قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:159-163).
ولهذا جاء النبي محمد "عليه الصلاة والسلام" رسولا عالميا لا رسولا إقليميا وأعلن القرآن الكريم هذه العالمية في آيات كثيرة فقال: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان:1) , وقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) (سـبأ:28) , وقال: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (لأعراف:158) , ومن هنا كانت رسالته أيضا ختام الرسالات فلا رسالة تعقبها أو تنسخها ولا نبي بعده (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) (الأحزاب:40) ، ومن هنا كذلك كانت معجزته الخالدة الباقية هذا القرآن الكريم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ , لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42).
ولقد كان الناس يتساءلون من قبل هذا العصر كيف يكون فرد واحد من أمة واحدة رسولا للبشر جميعا فجاء هذا العصر الذي انمحت فيه المسافات ، وتجمعت فيه أطراف الأرض بهذه المواصلات ، وتشابكت فيه مصالح الأمم والدول والشعوب حتى لكأنها بلد واحد كبير ، لا ينفك جانب منه عن الجانب الآخر في قليل ولا في كثير , وانطلقت في أجواز الفضاء أنباء الشرق يعلمها ساعة حدوثها الغرب ، وأنباء الغرب يستمع إليها لحظة وقوعها الشرق , وتركزت آمال المصلحين اليوم في (العالم الواحد) ، و(النظام الواحد) ، و(الضمان الاجتماعي) و(السلام العالمي) , فكان ذلك آية كبرى ومعجزة أخرى لنبي الإسلام وشريعة الإسلام وصدق الله العظيم: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت:53).

وقد كان الإسلام عمليا كعادته فلم يقف عند حد تقرير الأصول النظرية لهذه الوحدة الإنسانية ولكنه رسم وسائل التطبيق ، وقرر الشعائر والشرائع التي يتأكد بها هذا المعنى في النفوس ، وثبت دعائمه في المجتمعات ، وهذا هو الفرق بين الرسالات الفلسفية والرسالات الإصلاحية أو بين الفيلسوف والمصلح .. فالفيلسوف يقرر النظريات , والمصلح يرسم قواعد التفيق ويشرف بنفسه على تمامه ، ومن هنا كان الإسلام نظريا وعمليا معا لأنه رسالة الإصلاح الشامل الخالد ، وعلى هذا الأساس قرر الشعائر والشرائع التي يتحقق بالعمل بها ما دعا إليه من إنسانية عالمية وأخوة حقيقية بين البشر على اختلاف أوطانهم وأجناسهم وألوانهم . ومن ذلك :
القبلة : فعلى المؤمنين أن يصرفوا وجوههم وقلوبهم وأفئدتهم كل يوم خمس مرات على الأقل إلى "الكعبة" بناها إبراهيم أبو الأنبياء عليه الصلاة والسلام ، وأن يشعر كل منهم بما يحيط بهذا الرمز الكريم من معاني الأخوة وبالوحدة بين الناس جميعا ، كما أن طواف الطائفين بهذه الكعبة المشرفة إن هو إلا توكيد لهذا الشعور عمليا كذلك , وينتهز بعض الذين لا يعلمون الحكمة البالغة والنظرة السامية في هذا التشريع الحكيم هذه الفرصة فيغمزون الإسلام بأنه لا زال متأثرا ببقية من وثنية العرب , وأن الكعبة والطواف من حولها ، والحجر الأسود واستلامه وما يحيط بذلك من معاني التقديس والتكريم إن هو إلا مظهر من مظاهر هذا التأثر , وهذا القول بعيد عن الصحة عار عن الصواب ، فالمسلم الذي يرف بالكعبة أو يستلم الحجر يعتقد اعتقادا جازما أنها جميعا أحجار لا تضر ولا تنفع ولكنه إنما يقدس فيها هذا المعنى الرمزي البديع: معنى الأخوة الإنسانية الشاملة ، والوحدة العالمية الجامعة . ويذكر في ذلك قول الله العلي الكبير (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ) (المائدة:97). والرمزية هي اللغة الوحيدة لتمثيل المعاني الدقيقة والمشاعر النبيلة التي لا يمكن أن تصورها الألفاظ أو تجلوها العبارات ، والذي يعظم علم وطنه يعلم أنه في ذاته قطعة نسيج لا قيمة لها ماديا ولكنه يشعر كذلك أنها ترمز إلى كل معاني المجد والسمو التي يعتز بها وطنه , وإنها تصور أدق المشاعر في وطنيته , فهو يحمي هذا العلم ويعظمه ويحترمه ويكرمه لهذه المعاني التي تجمعت جميعا وتمثلت فيه . والكعبة المشرفة علم الله المركوز في أرضه ليمثل به للناس أوضح معاني أخوتهم وليرمز به إلى أقدس مظاهر وحدتهم , وإنما كانت بناء ليكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا , ومن أجمل الجميل أن يقوم على رفع قواعد هذا البناء إبراهيم الخليل أبو الأنبياء (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة:127).
وما الحجر الأسود إلا موضع الابتداء ونقطة التميز في هذا البناء ، وعنده تكون البيعة لرب الأرض والسماء على الإيمان والتصديق والعمل والوفاء , اللهم إيمانا بك لا بالحجر ، وتصديقا بكتابك لا بالخرافة ، ووفاء بعهدك وهو التوحيد الخالص لا الشرك ، واتباعا لسنة نبيك r محطم الأصنام.
فأين هذه المعاني الرمزية العلوية من تلك المظاهر الوثنية الخرافية؟ إن الكعبة المشرفة رمز قائم خالد ، ركز الإسلام من حوله أخلد وأقدس وأسمى معاني الإنسانية العالمية والأخوة بين بنى البشر جميعا (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة:125).

واللغة : وكما وحد الإسلام القبلة فقد وحد اللغة وأعلن أن العربية هي لسان القرآن (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف:3) ، وأن القرآن هو لسان المؤمنين وأن دعوة الإيمان دعوة موجهة إلى العالمين . ويقرر علماء الاجتماع أن اللغة هي أقوى الروابط بين الأمم والشعوب ، وأقرب وسائل التقريب والتوحيد بينها . وهى نسب من لا نسب له , وقد أدرك الإسلام هذه الحقيقة ففرض العربية فرضا على المؤمنين في صلواتهم وعباداتهم ومنح الجنسية العربية لكل من نطق بلغة العرب وجرى لسانه بها . واعتبر أن العربية هي اللسان . روى الحافظ ابن عساكر قال: (جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي فقال: هؤلاء الأوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذا الرجل "يعنى النبي r " فما بال هذا وهذا ؟ "مشيرا إلى غير العرب من الجالسين" فقام إليه معاذ بن جبل رضي الله عنه فأخذ بتلابيبه ثم أتى النبي r فأخبره بما قاله فقام النبي r مغضبا يجر رداءه حتى أتى المسجد ثم نودي الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فخطبهم قائلا: "يا أيها الناس إن الرب واحد ، وإن الدين واحد ، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان ، فمن تكلم العربية فهو عربي").
وأي تشجيع أعظم من هذا على تعلم لغة العرب وتعميمها بين الناس لتكون هي "الاسبرانتو" العالمي الذي يربط البشرية بأقوى روابطها ، وهى اللسان . وقد يقال إن ذلك خيال لا يتحقق والجواب أنه خيال حققته قوة أصحابه الروحية والحسية من قبل وتحققه من بعد ، ولا خيال في الحقيقة إلا مع الضعف ، وحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد . ولا تعاب الطريقة المثلى إذا هجرها الناس وهذه هي الطريقة للوحدة "وكل من سار على الدرب وصل".

الأذان: وتستمع إلى الأذان وهو الصوت العالي الذي تنطلق به حناجر المؤذنين في الصباح والمساء وعشيا وعند الظهيرة ومع الغروب: (الله اكبر الله اكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله , أشهد أن محمدا رسول الله . حي على الصلاة . حي على الفلاح . الله اكبر الله اكبر . لا إله إلا الله) يكرر المؤذن أعدادها المعروفة أو هو يقول حي على خير العمل كما في بعض الروايات . فهل ترى في هذا النداء دعوة إلى عصبية جنسية أو هتافا بنصرة طائفية؟ .. لا شيء إلا تمجيد الله والحث على الخير والفلاح والطاعة والصلاة والإرشاد إلى الأسوة الحسنة في محمد رسول الله.

والمساواة العامة هي شعار الإسلام في الحقوق والواجبات ومظاهر العبادات , فالجنس الإنساني مكرم كله مفضل على كثير من المخلوقات , (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء:70).
والناس جميعا مخاطبون بهذه الدعوة الإسلامية وكثيرا ما يستفتح الخطاب في القرآن الكريم بيا أيها الناس إشارة إلى عموم هذه الرسالة وتسويتها بين الناس في الحقوق والواجبات , والحقوق الروحية فضلا عن الحقوق المدنية والسياسية الفردية والاجتماعية والاقتصادية مقررة للجميع على السواء ، فما من شعب إلا بعث إليه رسول (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) (فاطر:24) , ومظاهر العبادات وطرق أدائها مشتركة بين الجميع يؤدونها على قدم المساواة ، فهم في الصلاة كالبنيان المرصوص ، وهم في الحج قلب واحد يفدون من كل فج عميق ، وهم في الجهاد صف لا يتخلف عنه إلا أعرج أو مريض أو أعمى أو معذور ، وهم في كل معنى من هذه المعاني كأسنان المشط لا سيد ولا مسود (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10) ، وقل مثل ذلك في جميع الحقوق والواجبات والفرائض والعبادات التي جاء بها هذا الإسلام.

ولقد دعم الإسلام هذه المعاني النظرية والمراسيم العملية ببث أفضل المشاعر الإنسانية في النفوس من حب الخير للناس جميعا والترغيب في الإيثار ولو مع الحاجة (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9) ، والإحسان في كل شيء حتى في القتل (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:195) , (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف:30) , (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ) (النحل:90).
وتقرير عواطف الرحمة حتى مع الحيوان فأبواب الجنة تفتح لرجل سقى كلبا ، وتبتلع الجحيم امرأة لأنها حبست هرة بغير طعام كما جاء ذلك وغيره من كثير من مثله في أحاديث النبي محمد r حتى استغرب أصحابه وقالوا: وإن لنا في البهائم لأجرا يا رسول الله؟ قال: (نعم في كل ذات كبد رطبة أجر) رواه البخاري ، ولا شك أن هذه المشاعر هي التي تفيض على صاحبها أفضل معاني الإنسانية وتوجهه إلى تقدير قيمه الأخوة العالمية.

وإن التاريخ ليحدثنا أن المجتمع الإسلامي سعد بتحقيق هذه المعاني في كل عصر من العصور التي ازدهرت فيها دعوة الإسلام وطبقها المؤمنون فيها تطبيقا صحيحا ، ففي عهد النبوة كان سلمان الفارسي إلى جانب صهيب الرومي إلى جوار بلال الحبشي ومعهم في نسق واحد أبو بكر القرشي تضمهم جميعا أخوة الإسلام (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران:103) ، ولم تعرف التعصبات الجنسية إلا يوم ضعف شعور المسلمين بسلطان التوجيه الإسلامي الصحيح واجتاحتهم شياطين التقليد فانحرفوا عن هذا الصراط المستقيم.

ولقد بشر زعماء العالم إبان محنتهم في الحرب الماضية بهذه الإنسانية العالمية وهتفوا بالعالم الواحد السعيد الذي تسوده الطمأنينة والعدالة والحرية والوئام . فهل وصلوا إلى شيء من ذلك؟ .. أو حاولوا أن يصلوا إليه فيما قرروا من مؤتمرات وعقدوا من اجتماعات؟ وهل استطاعت هيئة الأم المتحدة أن تسوي في الحقوق بين أبناء الوطن الواحد في أفريقيا الجنوبية ، أو أن تحمل الأمريكان على ترك التفاضل بالألوان؟ لا شيء من هذا ، ولن يكون إلا إذا تطهرت النفوس بماء الوحي العذب الطهور ، وسقيت من معين الإيمان ، وأخلصت للإسلام دين الأخوة والوحدة والإنسانية والسلام
(إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ , وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)


الجمعة، 9 أغسطس 2013

الفتنة ومعيارها اللغوى


يكثر الكلام عن الفتنة والفتن بين الناس ولقد تكرر في القرءان الكريم كلمة الفتنة كثيراً وكذا في الأحاديث الشريفة فرأيت أن نُبينَ المعنى اللغوي لكلمة الفتنة والإستعمال الشرعي لها حيث جائت في القرءان الكريم بعدة معاني على حسب سياق الآيات ومعانيها ، أولاً تعريف الفتنة في اللغة: قال الأزهري وهو من أكابر اللغوين: جماعُ معنى الفتنة في كلام العرب: الابتلاء ، والامتحان وأصلها مأخوذ من قولك : فتنتُ الفضة والذهب ، أذبتهُما بالنار ليتميزَ الرديءُ من الجيد ، ومن هذا قول الله عز وجل: " يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ " أي يحرقون بالنار. (من كتاب تهذيب اللغة 14 / 296 ). وقد لخص ابنُ الأعرابي معاني الفتنة بقوله:" الفتنة الاختبار، والفتنة: المحنة، والفتنة المال، والفتنة: الأولاد، والفتنة الكفر والشرك، والفتنة اختلاف الناس بالآراء والفتنة الإحراق بالنار ( كتاب لسان العرب لابن منظور )،

ثانياً: معاني الفتنة في الكتاب والسنة في مواضع كثيرة أشهرها الآية المتداولة بينَّ الناس وهي قوله تعالى:(( وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل ))، وهنا الفتنة على معنى الكفر والشرك أشدُ من قتل النفس التى حرم الله لأن القتل هو أكبر ذنب بعد الكفر بالله تعالى، وجائت بمعنى الابتلاء والاختبار: كما في قوله تعالى:(( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ))، أي وهم لا يبتلون، وجائت على معنى الإضلال كما في قوله تعالى: (( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ))، فإنَ معنى الفتنة هنا الإضلال أي من يُردِ الله يُضله لأن الهداية والضلال بخلق الله تعالى فمن يهدِ الله لامُضلَ له ومن يُضلل لاهاديَّ له، وجائت أيضاً على معنى تعذيب أهل الأخدود كما في سورة البروج من أن قوماً حَرّقوا المؤمنين بالنار وبهذا جائت الآية قوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ))، وهكذا في كثيرٍ من مواضع القرءان وردت كلمة الفتنة والذي ينبغي التحذير منه ما جرى على ألسن الكثير من إيراد الآية الفتنة أشد من القتل على معنى أن من يُحرش بين الناس ويعمل الفتن ذنبه أشدُ من ممن قتل نفساً وهذا غلط ومخالف للنصوص القراءن الكريم بل وفيه تكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن أي الذنوب فأجاب الشرك بالله قيل له ثم أيّ قال قتل النفس التى حرم الله فمن المقطوع به عند المسلمين أن قتل النفس أكبرُ وأشد ذنب عند الله بعد الكفر بالله، وليس عمل المشاكل والفتن بأشد فاحذر ان تورد الآية بغير محلها وأحذر حذرأً شديدا من أن تعتقد ان معنى الآية هكذا بل الآية سبب نزولها أن مشركي العرب منعوا القتال في أشهر معينة ثم قوتلوا فيه فأنكروا قالوا هذا محمد يدعي الخير ثم يرفع السيف في مثل هذا الشهر!؟ فأنزل الله في تبكيتهم وزجرهم: (( وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل)) أي كفركم بالله وعبادتكم للأصنام أشدُ من القتال في مثل هذا الشهر وليس معنى الآية أن الفتن أشد ذنبا عند الله من القتل، وإن كان عمل الفتن بين الناس أمرٌ نهى عنه الشرع وحذر منه وهو طبع أهل الفساد والنفاق والرذائل، وهاك أخي القارىء جملة من أهم كتب التفسير لتكن على علم أن معنى: الفتنة أشد من القتل الكفر بالله، قال تعالى في سورة البقرة:(( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ))، فالمراد بالفتنة هنا هو الشرك وليس النميمة كما يتوهم بعض الناس فيوردون هذه الآية عند حصول أي شجار ناتج عن نميمة، قال بعض المفسرين في ذلك منهم المفسر الإمام الطبري قال القول في قوله تعالى:(( وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل ))، يعني تعالى ذكره بقوله: (( وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل ))، والشرك بالله أشدّ من القتل، وقد بينت فيما مضى أن أصل الفتنة الابتلاء والاختبار فتأويل الكلام ابتلاء المؤمن في دينه حتى يرجع عنه فيصير مشركا بالله من بعد إسلامه أشدّ عليه وأضرّ من أن يقتل مقيماً على دينه متمسكاً عليه محقّاً فيه، وقال القرطبي: أي شركهم بالله وكفرهم به أعظم جُرْماً وأشدّ من القتل الذي عيرّوكم به. وهذا دليل على أن الآية نزلت في شأن عمرو بن الحَضْرمِيّ حين قتله واقد بن عبد اللَّه التميمي في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، وقال ابنُ الجوزي: فأما الفتنة، ففيها قولان. أحدهما: أنها الشرك، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وقتادة في آخرين. والثاني: أنها ارتداد المؤمن إلى عبادة الأوثان. قاله مجاهد. فيكون معنى الكلام على القول الأول: شركُ القوم أعظم من قتلكم إياهم في الحرم . وعلى الثاني: إرتداد المؤمن إلى الأوثان أشدُ عليه من أن يقتل محقاً، وقال النسفي:(( وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل))، أي شركهم بالله أعظم من القتل الذي يحل بهم منكم، وقال الخازن في تفسيره:(( وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل))، يعني أن شركهم بالله أشدُ وأعظم من قتلكم إياهم في الحرم والإحرام وإنما سُميَ الشرك بالله فتنة لأنه فساد في الأرض يؤدي إلى الظلم، وإنما جعل أعظم من القتل لأن الشرك بالله ذنب يستحق صاحبه الخلود في النار وليس القتل كذلك، والكفر يخرج صاحبه من الأمة وليس القتل كذلك فثبت أن الفتنة أشدُ من القتل . وهكذا يتبن أن معنى الفتنة في الآية الشرك والكفر بالله سواءٌ باللسان كالإستهزاء بالدين أو بما جاء في القراءن ومن الشرك الذي هو فتنة أيضا الإعتقاد الفاسد من نحو إعتقاد الصورة والجسم والمكان لله تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا فلا السماء مسكناً لله ولا العرشُ مستقراً لله ولا يُنسب إليه تعالى الصورة والجسم بل الله فردُ صمد لايحتاج لشىء ولا يشبه شىء ليس كمثله شىء وهو السميع البصير، فمن حملَ معتقدا فاسداً أو تكلم بشرك أو كفر فهو عند الله أكبر من قاتل النفس وبعده في الطغيان عند الله القتل ولهذا وصف الله عباده المؤمنين بقوله تعالى:(( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ))، فالقتلُ بغير حق جريمة كبرى والفتن التى تنتج قتل النفوس البريئة ليست بمنىء عن الوقوع في المهالك وكذا من أشعلها ممن حمل راية الزعزعة وإثارة البلبلة في هذه الأيام على أنواع وصور للفتن فقوم جاءوا باسم الإصلاح والتغيير، وحقيقتهم الدعوة إلى الفتن والقلاقل والنفير، وقوم دعوا للمحبة فأوقعوا بين الأحبة وقوم إدعوا العدل والقسط فظلموا وفتنوا إلى أبعد الحدود قال الله تعالى: (( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون* أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ)). فإن التسويق للفتن والترويج للفساد وزرع القلاقل والنعرات بغير هدى أمر في غاية الخطورة، لأنه قد يضيع الحق، ويظهر الباطل، ويفشو الجهل، بل وتسفك الدماء، وترمل النساء، وييتم الأطفال، وينتشر الخوف في العالمين، وحينئذ تكون الفتنة أيضا؛ لأنه بالقتل والفوضى يتهم هذا هذا ويحرض هذا على هذا والعدو يصطاد بالماء العكر بين هذا وهذا!. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الفتن في الصلاة وغير الصلاة. فالمال والأولاد والرخاء والعافية والغضب والمصائب ونحوها قد تكون فتنٌ للمرء ليبتلى أيصبر أم يكفر، والله تعالى يعلمُ الصابرين من الشاكرين ولكن ليُبَينَّ للناس من هو أهلٌ للتقوى ومن هو منافق يَكفرُ عندَ المصائب ويرتدُ عند النوازل ومن هو عابد لله في الرخاء والسراء وعند البلاء إلى أن يلقى الله تعالى، وإننا اليوم في معترك فتن عظيمة من هذه، فتن كقطع الليل المظلم، يتبع بعضها بعضًا، وينسي بعضها بعضًا، فالمال فتنة هلكَ بهُ كثيرٌ من الناس في هذه الأزمنة ، والأولاد فتنة وكم استعصى أمرهم على معظم أولياء الأمور، ومخالطة الأشرار من المنافقين فتنة وكم امتلأت منهم الديار وعظمت بسببهم الأخطار، والنساء فتنة وكم جلبنَّ من المصائب على الكثيرين، وكم يكيد بهنَّ الأعداء لإفساد مجتمع المسلمين، نعوذ بالله من الفتن ما ظهرَ منها وما بَطن، ونسأله الهدى والسداد والصلاح في الحال والمآل . وموقف المؤمن من الفتن الثبات على الحق والدعاء فكم للدعاء أثرٌ عظيم في الثبات والنصر، والاستعاذةُ بالله تعالى من الفتن ففي الحديث المتفق عليه :(( وأعُوذُ بِكَ مِنْ فتنةِ المحيَا والممَات ))، والعبادة وقتَ الفتن هي وصيّة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته حيث قال: (( بادِرُوا بالأعمالِ الصالحةِ فتنًا كقِطعِ الليلِ المظْلِم، يصبحُ الرجلُ مؤمِنًا ويُمسِي كافِرا )) رواه مسلم، وهذا الحديث كأننا نعيش في واقعه ألا ترى من الناس من يبيع الدين بشىء من الدنيا

؟ وذلك لغلبة الفتن وشدة الغفلة وكثرة الجهل بدين الله تعالى ، اللهَ نسأل العصمة من الفتن ما ظهر منها وما بَطن فأنه لاعاصمَ من الفتن إلا الله تعالى ،

الجمعة، 5 يوليو 2013

حرمة الدم

مواقف حلف فيها النبى صلى الله عليه وسيلم
--------------------------------
       
                                                 بسم الله الرحمن الرحيم
                                        -----------------------------
                   من هذه المواقف
       ----------------------------

 حرمة دم المسلم--- -
وهذا ظاهر من قوله وقسمه صلى الله عليه وسلم: «والذي لا إله غيره! لا يحل دم رجل مسلم يشهد ألاإله إلا الله، وأني رسول الله إلا ثلاثة نفر ... » فما دام أن المسلم قد استقام على دينه ولم يقع فيه هذه الموبقات التي تسفك دمه فيجب الحفاظ عليه، والحذر ثم الحذر من قتله أو سفك دمه لأن الله عز وجلّ نهى عن ذلك أشد النهي فقال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ                                            مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه "
هل سمعنا عن مثل هذا العقاب الإلهي لأي كبيرة مهما عظمت إلا في هذا الموطن؟
وقال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً. يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً. إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان/ 68- 70]
ومن قتل يقتل، قال تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة/ 179] .

  قتل التارك لدينه المفارق للجماعة:
قال النووي: وهذا عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام.
قال العلماء: ويتناول أيضا كل خارج عن الجماعة ببدعة، أو بغي أو غيرهما، وكذا الخوارج والله أعلم.
واعلم أن هذا عام يخص منه الصائل ونحوه، فيباح قتله في الدفع، وقد يجاب عن هذا بأنه داخل في المفارق للجماعة، أو يكون المراد لا يحل تعمد قتله قصدا إلا في هذه الثلاثة والله أعلم

  الزاني الثيب يقتل رجما:
لحديث عمر رضي الله عنه قال: " إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه اية الرجم فقرأتها، وعقلتها، ووعيتها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى، فالرجم حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت به البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف: وقد قرأتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم" متفق عليه.
والايات والأحاديث في الزجر عن الزنى كثيرة جدا تنظر في مظانها.

  القاتل عمدا يقتل إذا لم يعف عنه أولياء الدم:
لقوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ [البقرة/ 178]
قال السعدي رحمه الله:
بين تعالى حكمته العظيمة في مشروعية القصاص فقال: ولكم في القصاص حياة أي: تنحقن بذلك الدماء، وتنقمع به الأشقياء، لأن من عرف أنه مقتول إذا قتل لا يكاد يصدر منه القتل، وإذا رؤي القاتل مقتولا انذعر بذلك غيره وانزجر.
فلو كانت عقوبة القاتل غير القتل لم يحصل انكفاف الشر الذي يحصل بالقتل وهكذا سائر الحدود الشرعية، فيها من النكاية والانزجار ما يدل على حكمة الحكيم الغفار، وذكر (الحياة) لإفادة التعظيم والتكثير.
وتلك رسالة ابث بها الى كل المصريين الشرفاء ان لا تنقادوا وراء الاهواء والاطماع الذائله بل اعلموا ان تلك وقيعة دنيئة يريدها لنا اعداء الله من شياطين الشرق والغرب لان مصر هى عمود الاسلام فى هذا العالم فلما التقاتل والتناحر من اجل كرسى زائل 
--- ان الكراسى ان علت وتجملت 
                                    فالموت حتما لا محالة آتى 
فلنحافظ جميعا على بلدنا ومقدراتنا ودمائنا .
                                            حفظ الله مصر من كل مكروه وسوء