الجمعة، 23 سبتمبر 2011

العلاقة بين الانس والجن

                        بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
                   وبعد
قالى تعالى" وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون " صدق الله العظيم.وقبل ان ندخل فى العلاقة بين الانس والجن فلابد لنا ان نعرف ما هو الجن ؟ ومتى كان خلقه؟ ولماذا سمى بهذا الاسم؟
ومن هو ابو الجن؟ وما هى انواعه؟ وكيف يعيش الجن بين البشر؟ وكيف يتناسل الجن؟ وما هو مفهوم المس واللبس ؟ وما الفرق بين المس واللبس؟ وهل الجن يلتبس بالانس ؟
أولا : الجن مخلوق لله تعالى قبل خلق آدم من رواية عبد الله ابن عباس بألفى عام ولم يكن ابليس ابو الجن وانما كان من الجن بنص آية الكهف" كان من الجن ففسق عن امر ربه"وانما ابو الجن يدعى "سوميا" خلقه الله تعالى من النار ثم نفخ فيه الروح ولما سرت الروح فيه ودبت فيه نسمة الحياة شخر بصوت يشبه صوت الحمار فلعنه الله فى اصل خلقته ولعن كل من يتشبه بهذا الصوت من الانس ثم اوحى الله اليه ان تمنى على فقال اتمنى ان نرى ولا نرى وان نغيب فى الثرى وان يرجع كهلنا شابا واستجاب الله له امنيته لحكمته سبحانه وتعالى ثم عمروا الارض الى ما شاء الله حيث افسدوا فى الارض وسفكوا الدماء فأرسل الله عليهم جيوشا من ملاكة السماوات فأبادتهم الا من شاء الله ان يستثنى منهم لتستمر مسيرة الوجود كما اراد واجد الوجود ونجى الله ابليس من الهلاك ايضا لعلمه الازلى بأنه سوف يكون له دور فاعل فى فتنة واغواء بنى آدم .
ولقد سمى الله تعالى الجن بهذا الاسم نظرا لاختفائهم وعدم رؤيتهم ومن ذلك لفظ الجنون وهو ذهاب العقل واختفائه و الجنه سميت بذلك لانها تستر من يدخل فيها ولا يراه احد من كثافة اشجارها
اما عن انواع الجن فإن للجن انواع اربعة
النوع الاول والذى هو الاصل لكل الانواع الثلاثة التى سوف تندرج تحته -الجن- .
النوع الثانى : الشيطان  وهو مصدر من الشطن بمعنى الابتعاد او مشتق من شاط يشيط اذا احرق وابطل وتلك افاعيله والشيطان من فساق الجن اى الذين خرجوا عن طريق الحق بدليل قول الحق جل وعلا " كان من الجن ففسق عن امر ربه" وهذا يدل على ان كل من خرج عن قوانين الحق التى وضعها الله لهم سمى شيطانا .
النوع الثالث: العفريت : وهو اقوى الطوائف الاربعة بدليل قول الحق جل وعلا " قال عفريت من الجن انا آتيك به قبل ان تقوم من مقامك وانى عليه لقوى امين"
النوع الرابع : المارد او المريد - فهو مشتق من التمرد قال تعالى
ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد"
وقال ايضا " وحفظا من كل شيطان مارد" والمارد هو الذى يلح بالوسوسة الحاحا فوق ما لا يتخيله عقل.
اما عن كيفية حياة الجن بين اوساط البشر فإنهم يعيشون فى كل شبر على الارض من حيث لا نراهم تصديقا لقول الحق " انه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم" بل ان اعداد الجن والشياطين تفوق اعدادنا بمليارات المرات نظرا لما ورد عن ابن عباس رضى الله عنه قال"امام كل مولود يولد  من الانس يولد ثمانية من الجن وثمانية عشر شيطانا" ولكن نظرا لما خلقوا منه لا يمكن ان نراهم لأن الحق جل وعلا لم يقل بأنهم خلقوا نارا وإنما قال "من نار " مره واخرى" من مارج من نار" وفى الحالتين يعنى من بعض عناصر وخواص النار والناظر فى المعنى يجد ان اشد الاشياء فى حياتنا شبها بوجودهم - الكهرباء- فهى لاترى -ورغم ذلك لا ينكر احدا منا وجودها فالجن إذً مخلوق من خلا صة النار التى لا دخان فيها وهذا يعنى ان مجرد الاحتكاك بهم يحدث صدمة قاتله ولكن الحق جل وعلا وضع لهم قوانين تحكمهم فيما بينهم وتحكمهم فيما بيننا وبينهم وإلا كان والعياذ بالله عبثا فى الخلق إذ ما ذنبى ان اعاقب من مخلوق قدر لى ان لا اراه ولكن الله تعالى وضع لنا ما يحمينا منهم - إن علماء الفلك قد اكتشفوا ان جميع الاجرام السماوية والافلاك العلوية  كل منها قد احيط بغلاف يحميها من كل دخيل عليها وهو ما يشبه الغلاف الجوى للارض ومن ثم اكتشف علماء الاشعة فى دول الغرب ان كل انسان قد احيط بهالة من الاشعة تشبه غلاف الحماية للارض وقد اسموها" بالهالة النوويه" وهى تحمى الانسان من عالم الجن بمعنى ان الجن اذا حاول اختراقها احرقته الهالة باذن الله ولكن اذا لم يتعمد الجن إختراقها ولمسها عن طريق الخطأ لم يحرق بل يلوم نفسه ويؤنبها ويضرع الى الله ان يغفر له حتى ان الجن مع كثرته إذا رأى انسان قادم اوسعوا له الطريق وحذر بعضهم بعضا لانهم يعرفون العاقبه - والجن على عكس الانس لايشغل حيزا من الفراغ بل يستطيع ان يتحلل الى جزيئات فى حجم مثاقيل الذر وليس فى حجم الذر ذاته ومن هنا يخترق الجدران والابنية المختلفه ثم يجمع ذراته من جديد مكونا ذاته هذا التكوين الرهيب يعيش معنا بل يأكل ويشرب ويتزاوج وينجب اما عن اكله فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء بالعظم وقال إنه طعام إخوانكم من الجن وكذلك البعر- وهو روث الماشيه- اما عن ا لعظم فإن الله يكسوه لهم لحما  فيأكلوه - وأما عن البعر فإن الله يعيده لهم خضرا فيأكلوه -واما عن كيفية سكناهم معنا فالجن الذى هو الاصل للانواع يعمر الارض معنا بمعنى انه يعيش بيننا خاصة المؤمنين منهم اما الشياطين والمرده فهم يسكنون الخراب وبيوت الخلاء وسطح الماء برغم انهم مسلطون علينا بنص القران الكريم قال تعالى" واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم فى الاموال والاولاد وعدهم وما يعدهم السيطان الا غرورا" ولكن الله تبارك وتعالى قد اعطى لهم كما اسلفنا الحديث خواص متعدده منها ايضا الايحاء وهو الوسوسة عن بعد وذلك بمجرد ان يضعنى فى ذهنه ولوكان هو فى امريكا وانا هنا بمصر سمعت وسوسته فى نفسى وكأنه بجانبى  كل ذلك لا ينافى وجودهم بيننا - بل العجيب ان اطفالهم يعشقون اللعب مع اطفال الانس لذا  حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ساعة العتمة بقوله " كفوا صبيانكم عند ساعة العتمة فإن للجن انتشارا وخطفه"ومعنى ذلك ان اطفال الجن إذا احتوت طفل من اطفال الانس بغرض اللعب معه اختفى عن اعين الناظرين الى ان تنجلى ساعة العتمة ويذهب اطفال الجن ولماذا اطفال الجن ؟ ولماذا ايضا اطفال الانس؟ ان كلا الجنسين مرفوع عنه القلم بمعنى انه غير مكلف لذا لا يدرك مخاطر التعرض للانس لكن مادام غير مكلف فقد اصبح مكلوءا بعناية الله تعالى انسا كان ام جنا مادام لم يصل الى مرحلة التكليف بعد - ومع كل هذه الامكانيات التى وهبها الله لهم لايستطيعون نقل حجر من مكانه وقد وضعه انسان فأنا اترك البيت واعود وهو هو لم يتغير رغم وجودهم ولك ان تقيس على ذلك كل مناحى الحياة المختلفه .
اما عن تناسلهم وتوالدهم فهم يعيشون فى مجتمعات وقبائل وعائلات ويتزوجون كما نتزوج غير انهم لا يلدون كما تلد النساء وانما يتوالدون بمعنى ان الام الحامل اذا حانت ساعة ولادتها خرج الجنين من فخذها اومن ظهرها او من اى جزء فى جسدها وهو ما يعرف با التوالد او الانشطار -
اما عن اوصافهم فلا يستطيع احدا ان يصفهم ولا حتى ان يراهم الا اذا تشكلوا فى صورة مادية عندها سوف تراه ولكنك ترى انسانا او حيوانا - ولكن عندما يضع الحق لنا تشبيها رهيبا فى القران الكريم ويعطينا وصفا لهم فيقول عز من قائل "انها شجرة تخرج فى اصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين " وهذا من تشبيه المجهول بالمجهول لانه لم يرى احد منا الزقوم ولم يرى بالطبع رؤوس الشياطين فلك ان تتخيله فى ابشع صورة كما رسمتها وسائل الاعلام فى افلام الرعب.
                     --المس وحقيقته--
اولا ما هو المس فى اللغه:
المس فى اللغة هو التقاء جمادين على عكس اللمس فهو التقاء جسمين تملأهما الحركة والحياة .
أما فى الاصطلاح :فهو استشعار الشىء عن بعد برهبة .
والمس يكون فى الامور المعنوية واللمس يكون فى الامور الحسية فمن الاول قوله تعالى على لسان نبيه ايوب"رب انى مسنى الضر"وقوله "وإن يمسسك الله بضر"وقوله"إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله"الى غيره من الامثلة المتعددة للفظ فى القران الكريم.
اما عن مس الشيطان للانسان فى القران الكريم فقد ذكر فى ثلاث مواضع
الموضع الاول:فى سورة البقرة من قوله تعالى "الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس"
الموضع الثانى"فى سورة الاعراف من قوله تعالى " إن الذين اتقوا ربهم إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون"
الموضع الثالث" فى سورة -ص- من قوله تعالى على لسان ايوب عليه السلام"قال رب إنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب"
والموضع الاول وهو اية البقرة ليست فيها دلالة ظاهرة على معنى المس الذى يقصد منه الضرب او الصرع اوغيره وإنما قصد منها الوسوسة لأن الذى يميل الى وسوسة الشيطان لابد وانه سيتخبط فى المعاصى لانه بذلك مال عن طريق الحق والصواب واتبع الطرق المعوجه التى قال الله فيها" وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " وشرح رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الطرق بقوله "ان على كل سبيل من هذه السبل شيطانا يدعوالى حزبه"والاية المباركة تتحدث عن مشهد من مشاهد البعث وهو الخروج من القبور - ولكن لماذا آكلوا الربا هم الصنف الوحيد الذى شبهه الحق جل وعلا بهذا التشبيه ؟
اولا لأنهم من اجل زيادة الاموال بالتعاملات الربوية لا يتحرجون عن بيع الخمور والاتجار بالسلع الفاسدة التى تؤدى بدورها الى هلاك المجتمعات وكذلك الدعوات الاباحية للزنا بكل اشكاله بل وانشاء قنوات متخصصة لهذا الغرض الدنيىء ومن ثم كان هذا التشبيه  لائقا بحال من أغواهم الشيطان.
ثانيا الربا هو الشىء الوحيد الذى يفتح كل ابواب الشياطين على فاعلة  ومن ثم كان هؤلاء موعودون بحرب من الله ورسوله.
إذ الآية بعيدة   كل البعد عن المعنى المفهوم لدى بعض بل معظم المسلمين -وسيكون هناك استدلالات ستأتى  فى موضعها من البحث ان شاء الله تعالى.
-اما آية -ص-  وهى قوله تعالى "رب إنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب" فهذا نبى من انبياء الله تعالى قد ابتلاه الله بالمرض ثمانية عشر عاما وصبر ولم يشتكى الله الى خلقه ولكن ما هو السبب فى تلك الاستغاثة المفاجئه فى حياته ماسببها؟ ان ايوب عليه السلام كانت تقوم على رعايته زوجته رحمه - غير ان احدى نساء المدينة ابت ان تعطيها طعام تطعم به زوجها الا اذا اخذت خصلة من شعرها وفعلت ولما علم نبى الله ايوب غضب غضبا شديدا واقسم ان شفاه الله تعالى ليجلدنها مائة جلده ومن ثم دخل الشيطان اليه بحيله وقال له انهم اخذوا اليوم شعرها وغدا سيأخذون شرفها واشد مايغار عليه الانبياء العرض والشرف ومن ثم لجأ الى الله بالا ستغاثه.
اما آية الاعراف فقد شرحت الايتان الاوليان "ان الذين اتقوا ربهم اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون"
فهاهم المتقون يتعرض لهم الشيطان ولكن بما يتعرض لهم؟ إنه يتعرض لهم بما اسماه الحق جل وعلا طائف - ولكن ما هو الطائف ؟ انه كما قال المفسرون عارض من وسوسة الشيطان - او هو مجموعة الافكار الخبيثة التى يلقيها الشيطان فى قلب الانسان فالعملية إذً - ذهنية بحته بدليل قوله تعالى " تذكروا" اى رجعوا وانابوا الى الله بما اوجبه عليهم من طاعته.
هذا عن المس فما هو اللمس؟
اللمس فى اللغى يعنى الجس باليد فهو يكون بين شيئين فيهما حياة قال تعالى" او لامستم النساء" كنايه عن الجماع والاختلاط بين الزوجين وقال ايضا " ولو نزلنا عليك كتابا فى قرطاس فلمسوه بأيديهم" اى احسوه احساسا لا يتطرق اليه شك بأنه معهم واللفظ مستخدم فى القران الكريم فى مواطن كثيره وكلها تصب فى هذا المعنى.
اما اللبس: اوالالتباس
فهو دخول شىء داخل شىء ومنه لبست الثوب اى اصبحت بداخله قال تعالى "يلبسون ثيابا خضرا" واللبس بالكسراو الضم  يكون فى الامور الحسيه وبالفتح يكون فى الامور المعنويه ومنه التبس عليه الامر بمعنى اختلط ومنه اللبوس وهوعقار يؤخذ عن طريق الشرج الى غير ذلك من المعانى الواضحة الجليه التى لا تحتاج الى برهان - اما ان يلتبس الجن بالانسان بمعنى ان يصبح داخله فهذا مالا يعقل بأدلة منها:
ان عالم الجن غير مرئى لنا نحن الانس فهو يرانا من حيث لا نراه فكيف يتحكم فينا مايرانا من حيث لا نراه إنه والعياذ بالله عبثا فى التكليف وإلا لماذا قال الحق جل وعلا "لا يكلف الله نفسا إلا ماآتاها"" لا يكلف الله نفسا الا وسعها "فهذ لوتم لكان تحميلا لقدرة الانسان فوق ما لا يطيق الانسان  وهذا محال
ثانيا :لو كان للشيطان سلطانا على الانسان لما وسوس لآدم وإنما كان جديرا بأن يرغمه على الاكل من الشجرة ولما تحايل عليه بالوسوسة بأنواعها قال تعالى " فوسوس اليه الشيطان" ومره فأزلهما الشيطان عنها"وكل تلك  انواع من الالحاح على آدم إذً لا سلطان له على ابن آدم من ناحية الجسد وانما علاقته به علاقة ذهنية فقط وهذا ما نطق به القران الكريم من الحوار الذى سيدور بين الشيطان وبين الذين اغواهم قال تعالى" وما كان لى عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لى "
والدليل على ان الجن بعمومه لا دخل لهم بالانسان وشئونه ومن باب اولى جسده الذى به يحيا
1- التمكين فى الارض -
فالانسان قد مكنه الله فى الارض بمعنى انه قد اعطاه الاسباب والمسببات فى استخراج ما فى جوف الارض فضلا عن زراعتها وعمارتها قال تعالى " ولقد مكناكم فى الارض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون" فالجن لا يزرع -لا يبنى - لا يستخرج البترول من الارض وهذا دليل على انه اقل رتبة منا نحن البشر
2-التفضيل للانسان والتكريم له من قبل الحق جل وعلا  قال تعالى "ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر وتالبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" وما دام الحق جل وعلا قد كرم الانسان فهل يجعل لمخلوق اقل منه منزلة ان يتحكم فيه بتلك الصورة المهينة والمشينة ؟
3- الاصطفاء - بمعنى إرسال الرسل فلم يصطفى الله تعالى من الجن نبى يتوجب على البشر اتباعه ونما العكس فإنهم هم المأمورون باتباعنا نحن البشر إذً وحى السماء قد اختص الله تعالى به البشر دون الجن قال تعالى " الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس" والجن لا يقال له ناس وإنما يقال له نفر قال تعالى "قل اوحى الى انه استمع نفر من الجن" وجميع شرائع الله للبشر هم مأمورون بالعمل بها فكيف إذً يتملك الادنى من الاعلى منه منزلة حتى فى تبليغ رسالات الله تبارك وتعالى .   
                 واما احاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهى حجة على المؤيدين للالتباس لا لهم
اولا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى اخرجه الامام البخارى فى صحيحه من حديث صفية بنت حيىٍَ رضى الله عنها ان النبى صلى الله عليه وسلم كان معتكفا فجائته لتزوره وارادت ان تنفلت الى بيتها واخذها النبى فرءاه رجلين من الانصار فقال"على رسلكما إنها صفية وانا محمد فقالا سبحان الله  فقال رسول الله "إن الشيطان يجرى من الانسان مجرى الدم من العروق فخشيت ان يقذف فى قلوبكما شيئا" هذا هو الحديث الذى يعتمد عليه المؤيدون لالتباس الجن بالانسان ولننظر سويا فى مدلولات الالفاظ النبوية
اولاً :قال صلى الله عليه وسلم "يجرى من " ولم يقل يجرى فى وذلك لان فى تفيد الظرفيه بمعنى الدخول الحقيقى كما انك لو قلت الغلام فى المدرسه- اى هو داخل اسوارها -اما من فهى تفيد التبعيض بمعنى ان بعض وسوسته تجرى فى دم الانسان - وهى الكلام الخفى الذى يلقيه الشيطان فى قلب ابن ادم هذا من ناحية ومن ناحية اخرى اذا كان للشيطان المقدرة على الدخول فى الانسان فلماذا عقب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله" فخشيت ان يقذف فى قلوبكما شيئا"وهذا اكبر دليل فى نص الحديث على ان الشيطان لايسكن جسد الانسان -
وقد اخرج ابو يعلى من حديث انس ابن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس وإلا التقم قلبه"يعنى بالوسوسه التى هى عمله وشغله الشاغل.
        اما الادلة العقلية فذهب الفلاسفة الى استحالة اجتماع مؤثرين على مؤثر واحد لانك بذلك تجمع الضدين وتجمع الروحين وتجمع القلبين فى بدن واحد حتى ولوكان الجن هواء فإنه له صفة الحياة التى يتصف بها الانسان وقد قال الله تعالى " ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه " وهؤلاء يحطمون كلام الله ويثبتون ما نفاه الله تعالى.




  القول الراجح عندي في مسألة دخول الجن الى بدن الانسان المعروف اصطلاحا بالمس وأسباب الترجيح
القول الراجح في هذه المسألة عندي عدم جواز دخول الجني إلى بدن الإنسان المتعارف علي تسميته بالمس وفيما يلي نستعرض أدلة من قالوا بالجواز بالنقد والتحليل لبيان ما نراه فيها ونرد على استدلالاتهم
الدليل الأول : قولة تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)
المس يأتي في اللغة بمعاني متعددة
قال ابن منظور : في لسان العربمَسِسْتُه بالكسر أَمَسُّه مَسّاً ومَسيساً لَمَسْتُه هذه اللغة الفصيحة ومَسَسْتُه بالفتح أَمُسُّه بالضم لغة المس هو مسك الشء بيدك ويقال مَسِسْتُ الشيءَ أَمَسُّه مَسّاً لَمَسْتَه بيدك ثم استعيرللأَخذ والضرب لأَنهما باليد واستعير للجماع لأَنه لَمْسٌ وللجُنون كأَن الجن مَسَّتْه يقال به مَسٌّ من جنون وقوله تعالى ولم يَمْسَسْني بَشَرٌ أَي لم يَمْسَسْني ورجل مَمْسُوسٌ به مَسٌّ من الجُنون ومُسْمِسَ )
وفيما يلي بيان لمعاني المس مقرونا بالأدلة من الكتاب والسنة
1- 
الجماع أو الوطء
2- 
اللمس
3- 
ما نصاب به من ضر أو نفع يقال له مس
4- 
لفظ المس يستخدم للخير والشر
5- 
مس العقل بالجنون

أولا : تفسير المس بالزواج أو بالجماع أو الوطء 


يطلق على الزواج او الجماع أو الوطء مس وذلك كما في (مختار الصحاح ) (* أمسه * الشيء * فمسه * و * المسيس * المس و * المماسة * كناية عن المباضعة وكذا * التماس * قال الله تعالىمن قبل أن يتماسا )
و فى الآية الكريمة على لسان مريم :
(
قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47))
(
قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيّاً (20)
وفي ذلك دليل على أن لفظ المس استخدم في هاتين الآيتين بمعني الجماع أو الوطء من الزواج الحلال
قال ابن كثير: ( أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيّاً ( أي : فتعجبت مريم من هذا وقالت : كيف يكون لي غلام ؟ أي : على أي صفة يوجد هذا الغلام مني ، ولست بذات زوج ، ولا يتصور مني الفجور ; ولهذاقالتوالبغي : هي الزانية; ولهذا جاء في الحديث : نهي عن مهر البغي( .
وقول مريم أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أكن بغيا ردا على من يقولون بجواز وطء الجني الإنسي ولو كان ممكنا لقالت (ولم يمسسني بشر ولا جني ) لأنها هنا في مقام نفى الشبهة ونفى أسباب الحمل ولو كان وطء الشيطان جائز لقامت بنفيه أيضا .
قال البغوي في تفسيره : (من أين) (يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)) لم يقربني زوج) ) وَلَمْ أَكُنْ بَغِيّاً )فاجرة؟ تريد أن الولد يكون من نكاح أو سفاح ، ولم يكن هنا واحد منهما .
واستدلال من يقولون بجواز وطء الجني الانسي بقوله تعالى :
وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً (64) ( الإسراء )
استدلال باطل لأن المشاركة في الأموال بان يوسوس كي تنفق في معصية الله والمشاركة في الأولاد الوسوسة بالزنا أو تسميته بعبد العزي أو غيرها مثل عبد المسيح وغيرها وإخراج الأولاد من الفطرة التي فطر الله الناس عليها وهي دين الإسلام إلي دين أخر
قال ابن جرير : ( وأولى الأقوال بالصواب أن يقال كل مولود ولدته أنثى عصى الله فيه بتسميته ما يكرهه الله أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله أو بالزنا بأمه أو بقتله ووأده وغير ذلك من الأمور التي يعصي الله بفعله به أو فيه فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك الولد له أو منه لأن الله لم يخصص بقوله وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى فكل ما عصي الله فيه أو به وأطيع فيه الشيطان أو به فهو مشاركة) ( تفسير ابن كثير )
وقال القرطبي في تفسيره : ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولاد أي اجعل لنفسك شركة في ذلك . فشركته في الأموال إنفاقها في معصية الله ; قاله الحسنوقيل : هي التي أصابوها من غير حلها ; قال  مجاهد و ابن عباس : ما كانوا يحرمونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام . وقال  قتادةو الضحاكما كانوا يذبحونه لآلهتهم . والأولاد قيل : هم أولاد الزنا ، قاله مجاهد والضحاك وابن عباس وعنه أيضا هو ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم من الجرائم . وعنه أيضا : هو تسميتهم عبد الحارث وعبد العزى وعبد اللات وعبد الشمس ونحوه . وقيل : هو صبغة أولادهم في الكفر حتى هودوهم ونصروهم ، كصنع النصارى بأولادهم بالغمس في الماء الذي لهم ) ( تفسير القرطبي )
والأحاديث الواردة في هذا الباب وطء الجني للإنسي كلها معدودة ومعلولة
في قوله تعالى لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)
وكذلك قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (49)
قبل أن تمسوهن في الآيتين الكريمتين دلتا على الجماع أي من قبل أن تدخلوا بهن وهو تفسير جمهور العلماء
وقال الزمخشري (جعل المس عبارة عن النكاح الحلال لأنه كناية عنه لقوله (قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ( أولامستم النساء والزنا ليس كذلك إنما يقال : فجر بها وخبث بها وما أشبه ذلك ، وليس يقمن أن يراعى فيه الكنايات والآداب انتهى ) ( ابن كثير)

وفي حديث سعيد ابن جبير قال :
ذكروا اللمس , فقال ناس من الموالي : ليس بالجماع . وقال ناس من العرب : اللمس الجماع . قال : فلقيت ابن عباس فقلت له : إن ناسا من الموالي والعرب اختلفوا في اللمس , فقالت الموالي : ليس بالجماع . وقالت العرب : الجماع . قال : فمن أي الفريقين كنت ؟ قلت : كنت من الموالي . قال : غلب فريق الموالي إن المس واللمس والمباشرةالجماع , ولكن الله يكني ما شاء بما شاءأحمد شاكر المصدر:عمدة التفسير - الصفحة أوالرقم:1/513إسنادين صحيحين

والشاهد من الحديث ان المس يعني المباشرة أي الجماع

وفي حديث البخاري يا رسول الله ، إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل ؟ قال : يغسل ما مس المرأة منه، ثم يتوضأ ويصلي ) البخاري
وفي قولة يغسل ما مس المرأة منه دليل علي ان المس هو الجماع وقيل هذا الحديث منسوخ بحديث عائشة رضي الله عنها (إذا التقى الختانان وجب الغسل )
النووي المصدر:المجموع - الصفحة أو الرقم: 2/130صحيح وروى مسلم بمعناه

· ثانيا تفسير المس باللمس

فسر المس بالمس كما جاء في آيات كثيرة كما فى قوله تعالى : (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (97) (القصص )
جاءت لفظة لا مساس في سياق قصه قارون عندما صنع لبني إسرائيل العجل من حليهم ففتنوا وعبدوه من دون الله ومعني لا مساس أي لا يلمسني احد ولا المس انا احد فجاء المس هنا بمعنى اللمس قال الطبري يقول تعالى ذكره : قال موسى للسامري : فاذهب فإن لك في أيام حياتك أن تقول : لا مساس : أي لا أمس ، ولا أمس) (تفسير الطبري )
قال تعالى : لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79)
أي لا يلمس كتاب الله إلا من كان طاهرا حتى لا نتعامل مع كتاب الله كتعاملنا مع أي كتاب وضعي فعندما نتجهز بالطهارة نستشعر بعظمة كتاب الله في قلوبنا . والشاهد هنا ان المس فسر بمعنى اللمس . وجاء في الحديث الطويل ( حديث أم زرع فيه (قالت الثامنة:زوجي المسمس أرنب، والريح ريح زرنب .)صحيح البخاري - 5189
ومعني المس مس أرنب اى ملمسه ناعم كملمس فراء الارنب وهي كناية عن شدة لطف زوجها في معاملته معها والشاهد هو تفسير المس بااللمس والملمس
وفى الحديث من مس فرجه فليتوضأ ا لألباني المصدر:صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 443
أي من لمس فرجه فلتوضأ وهو ما علية جمهور الفقهاء في باب نواقض الوضوء خلافا لأبي حنيفة وفية دليل على أن المس يفسر بالمس وفي الحديث الذي رواه الإمام احمد في مسندة .
أن النبي صلى الله عليه وسلم كساه حلة سيراء وكسا أسامة قبطيتين ثم قال ما مس الأرض فهو في النار:
أحمد شاكر المصدر:مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 8/58إسناده صحيح
في هذا الحديث يعلم النبي أسامة أن لا يطيل ثوبه حتى يلامس الأرض فمعنى ما مس الأرض أي ما لمس الأرض من الثوب لان العرب كانوا يفعلون ذلك من باب التكبر والتفاخر والتحريم ليس مطلق وإنما مقيد بالكبر ودليل ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحة
من جر ثوبه خيلاء ، لم ينظر الله إليه يوم القيامة . فقال أبو بكر : إن أحد شقي ثوبي يسترخي ، إلا أن أتعاهد ذلك منه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك لن تصنع ذلك خيلاء . قال موسى : فقلت لسالم : أذكر عبد الله : من جر إزاره ؟ قال : لم أسمعه ذكر إلا ثوبه .:صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 366
و الشاهد تفسير المس باللمس كما فى الأحاديث والآيات السابقة و الأدلة في هذا كثيرة لا تحصى

·ثالثا تفسير المس بما نصاب به من ضر أو نفع

نقول مس أي أصاب أي بما يؤول إلية الحال من إصابة كما في قولة تعالي :
(
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140))
في قوله عز وجل : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ أي يصيبكم قرح وعبر عن القرح بالمس كأنها إصابة لصيقة وملامسة للممسوس وفي هذه الآية الكريمة دليل علي استخدام لفظ المس بمعني أصابكم وأيضا في قولة تعالى :
: ( 
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214))
أي أصابتهم البأساء والضراء وهكذا في آيات أخرى عديدة كما في قولة سبحانه

قال تعالي  فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88))
وقوله تعالى : (وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12))
وقولة مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّأي أصابنا الضر والفقر و الحاجة والفاقة والسوء(كل ما يضر )وقولةوَإِذَامَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ إذا أصاب الإنسان والضر (كل ما يضر )
وهنا جاء لفظ المس أي ما أصاب

· رابعا لفظ المس يستخدم للخير والشر

يستخدم لفظ المس للكلام عن الخير او للكلام عن الشر او الضر على حد سواء ودليل ذلك قال تعالى :
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (17)
وقوله تعالى ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95)
وفي قولة تعالي إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)
وفي هذه الآيات دليل علي استخدام لفظ المس للإشارة إلى الخير وكذلك للإشارة إلى الشر على حد سواء

· خامسا لفظ المس يستخدم لمس العقل بالجنون

(
جاء في لسان العرب لابن منظور ) ( وقد مَسَّتْه مَوَاسُّ الخَبَلِ والمَسُّ الجُنون ورجل مَمْسُوسٌ به مَسٌّ من الجُنون ومُسْمِسَ الرجلُ إِذا تُخُبِّطَ وفي التنزيل العزيز كالذي يَتَخَبَّطُه الشيطان من المَسِّ والمَسُّ الجنون)
كثيرا ما يستخدم المس بمعنى الجنون ونسب العرب الجنون إلى الجن أي المجنون مستة الجن وهي على غير الحقيقة واقعا لان كل حالات الجنون لا دخل للجن بها مطلقاوانما اخذ ذلك من غياب عقل المجنون فهو مختفى من الخفاء ولاشك ان الجن مختفى وهذا هو وجه الشبه بين المشبه والمشبه به  والجنون إنما هو من قضاء الله عز وجل والشواهد على ذلك كثيرة وفي ذلك يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله  (ولكن ما هو المس؟ الله عز وجل يقول عن الذين يأكلون الربا (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) فكأن الشيطان قد مس التكوين الإنساني مما افسد استقامة ملكاته والتكوين الإنساني له استقامة من الملكات بحيث تتسق كل حركه مع غيرها فإذا ما مس الشيطان أحدا من البشر فإن هذا الإنسان الممسوس يفقد انسجام حركات جوارحه فتتخبط ملكاته مع بعضها البعض وتكون حركاته غير منتظمة وغير منطقية إذا أردنا هذا الوصف في الأخرة فهي سمة تميز أهل الربا وإذا أردناه في الدنيا فهي سمة لحركة الإنسان غير المنطقية ) وهى ما يستخدمه الشيطان من الوان الاحتيال على بنى آدم بالوسوسة بكل اشكالها وهذه حرفته وصنعته" (الشيطان والإنسان ص 86 )

خلاصة القول في الاستدلال على دخول الشيطان جسم الانسان بقوله تعالي :
(
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)[البقرة: 275]

1- 
لا يوجد معني واحد من معاني المس بأنه يعنى دخول جسم الممسوس كما سبق توضيحه أنفا وأن كان يعني أحيانا المس بضر أو بنفع كما سبق الإشارة إليه
يقول الشيخ الشعراوي ايضا ( وسائل الشيطان في الإغواء متنوعة فمنها النزغ – ومنها الهمز – ومنها الوسوسة – ومنها المس – فكلمة نزغ معناها نخس وهى تختلف عن اللمس لأنه بين الناخس والمنخوس مسافه اما المس فهو مباشرة بلا مسافة ولكن لا تدرك ولا تحس بحرارة من مس اما اللمس فإنه إدراك الملموس إذن فهناك ثلاث مراحل النزغ والمس واللمس – والنزغ من الشيطان هو ان يدخل خاطر مهيجا إلى نفسك فيثير فيها الغضب ويجعلك الغضب تتصرف تصرفا أحمق لا يتفق مع العقل ولا مع الدين قال تعالى (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ) ومعنى ذلك اذا جاءك الشيطان من منطق ضعف لديك فوجب عليك ان تعلمه ان فى حضن ربك القوى وذلك لا يتأتى الا بالاستعاذه  (قتال الشيطان والإنسان )

2- 
قوله تعالي : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنْ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (32))
عندما اراد الله عز وجل لفظ يدل على إدخال موسي يده في جيبه قال اسلك يدك ولم يقل مس يدك في جيبك واسلك تعني ادخل يدك في جيبك

3- 
طالما ان لفظ المس له معاني متعددة فاختيار احد تلك المعاني يحتاج إلى مرجح له لأنه لفظ مجمل وذلك إذا سلمنا بأن المس من معانية دخول جسد الممسوس ولا صحة لذلك

4- 
لفظ يتخبطه الوارد في الأيه ليس من معانيه الدخول بالبدن كما أن هذا الوصف وصف في آ كل الربا حال قيامه في الأخره والأخره غيب و الشيطان أيضا غيب فيجب علينا أن نتوقف في الغيبيات على النصوص ولا نعمل عقلنا فيما لا نعلم من الغيبيات قال الشافعي رحمة الله (من ادعى أنه رأى شيطانا فلا نقبل شهادته، لأن الله سبحانه و تعالى قال: إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم. )

5- 
ربما يقول قائل وكيف يشبه رب العالمين غيب بغيب أي مجهول بمجهول بالنسبة لنا والأصل في التشبيه أن نشبه مجهول بمعلوم نقول قد يشبه رب العالمين غيب بغيب كما في قولة سبحانه : عن شجرة الزقوم (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65))شبة رب العالمين طلع شجرة الزقوم وهي غيب برؤوس الشياطين وهي غيب لاستحضار كل إنسان أقبح صورة في خيالة ويسقطها على هذا التشبيه وكما يقول الشيخ الشعراوي لو إننا طلبنا من مجموعة طلاب تخيل صورة الشيطان لتخيل كل واحد منهم اكبر شيء فزعا بالنسبة له ولو رصدنا لذلك جائزة لفاز بها أقبحهم تصويرا للشيطان وعل ذلك شبه الله عز وجل قيام أكل الربا بالذي يتخبطه الشيطان لتصور مدى قبحه يوم القيامة

6- 
التشبيه لا يقتضي المطابقة دائما وإنما لتقريب الأمر إلى عقل المخاطب وبالتالي التشبيه بقولة عز وجل(إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي
يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) على سبيل المجاز وليست الحقيقة كما في قوله عز وجل: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ
كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا
يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)) (النور )
وقد يكون هذا التشبيه علي سبيل المجاز وليس على الحقيقة

2-
الرد على الاستدلال على دخول الشيطان جسم الإنسان بقوله تعالى:
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ )( ص - 41)


لا تدل الآية الكريمة بحال من الأحوال على دخول الجني جسم الإنسان وان لفظة الشيطان تطلق علي الجن و الإنس قال تعالي :وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وعلي ذلك يكون شياطين الإنس والجن هم اشرهم

وجاء في الحديث عن ابي هريرة قال ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من بني آدم من  مولود يولدإلا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهل صارخا من مس الشيطان ، غير مريم وابنها ) . ثم يقول أبو هريرة : { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيمصحيح البخاي

فلو حملنا قول رسول الله في هذا الحديث حين يقول إلا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهل صارخا من مس الشيطان ) على دخول الجني بدن كل مولود يولد لكان معنى ذلك أننا جميعا بداخلنا شياطين لان رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم بألفاظ تفيد العموم

3-
الرد على الاستدلال على دخول الشيطان جسم الإنسان بحديث عثمان ابن ابي العاص السابق الإشارة إليه جاء فيه (قال فضرب صدري بيده وتفل في فمي وقال اخرج عدو الله ففعل ذلك ثلاث مرات ثم قال الحق بعملك )
وحديث أسامة ابن زيد عن المرأة التي عرضت بطفلها لرسول الله جاء فيه (، ثم تفل في فيه ، ثم قال اخرج عدو الله فإني رسول الله ، ثم ناولها صلى الله عليه وسلم إياه فقال : خذيه فلن ترى معه شيئا يريبك بعد اليوم إن شاء الله تعالى )


استدلالهم بقول رسول الله صلى الله عيه وسلم اخرج عدو الله بأن الخروج يقتضى الدخول أولا وان يكون الداخل شيطان كلام غير دقيق لأننا وان سلمنا بأن الخروج يقتضى الدخول فلا نسلم بأن الداخل شيطانا وقوله صلى الله عليه وسلم اخرج عدو الله كلام مجمل يحتاج إلى دليل يفصله فقد يكون الداخل شيطانا أو سحرا أو ضر أو حسدا أو غيرها مما يقال له عدو الله

وجاء في الحديث ( ما من آدمي إلا لقلبه بيتان : في أحدهما الملك ، وفي الأخر الشيطان ، فإذا ذكر الله خنس ، وإن لم يذكر الله وضع الشيطان منقاره في قلبه ووسوس له . ) –تحفة الزاكرين الشوكاني 28 (رجال الصحيح )

ولو حملنا هذا الحديث على ظاهره لكان الشيطان بداخل كل إنسان على وجه الأرض وكل أهل الأرض (ممسوسين )ولا فرق بين راق ومرتق وصارت قلوبنا بيوتا للشيطان حتى ولو ذكرنا الله لان الحديث لا يقول إن الشيطان يخرج بذكر الله من القلوب ومعروف في اللغة أن البيت من البيتوتة أي أن الشيطان يبيت في قلوبنا وهذا غير صحيح مطلقا
فرغم تعبير النبي صلى الله علية وسلم بقوله في احدهما الشيطان فلا يوجد عاقل يفهم العربية يحمل هذا النص على ظاهره وإنما المقصود أن الشيطان له مدخل يدخل به على ابن ادم وغاية عمله هو الوسوسة لقوله صلى الله عليه وسلم ووسوس له ونفهم أيضا أن الخروج من هذه الوسوسة يكون بذكر الله سبحانه فيخنس الشيطان أي يسكت و يتضاءل

وفي الحديث أيضا عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : " الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا ذكر الله خنس ، وإذا غفل وسوس " . رواه البخاري معلقا

وجاء في شرح مشكاة المصابيح في تفسير هذا الحديث : ( أي : لازم الجلوس ودائم الالتصاق ( على قلب ابن آدم ، فإذا ذكر الله ) : أي : ابن آدم بقلبه ، أو ذكر قلبه الله ( خنس ) : أي : انقبض الشيطان وتأخر عنه واختفى ، فتضعف وسوسته وتقل مضرته ، ( وإذا غفل ) : أي : هو ، أو قلبه عن ذكر الله ( وسوس ) : أي : إليه الشيطان وتمكن تمكنا تاما منه ، وفيه إيماء إلى أن الغفلة سبب الوسوسة لا العكس على ما هو المشهور عند العامة ) ولو حملنا هذا الحديث أيضا على ظاهره لكان الشيطان جاثم على قلوب الناس أجمعين بلا استثناء لان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبر بلفظ من ألفاظ العموم بقوله جاثم على قلب ابن ادم فلا فضل للراقي على المرتقي لان كلاهما الشيطان جاثم على قلبه وهذا ليس صحيحا ولا يوجد عاقل يفهم العربية يحمل هذا النص على ظاهره وإنما المقصود شديد الملازمة لابن ادم وذكر الله هو العلاج .
وبناء على ذلك فان الأحاديث يفسر بعضها بعضا بان المقصود بدخول الشيطان أي دخول وسوسته داخل قلب الإنسان وتفكيره مما يجعله متخبطا فإذا ذكر الله ذهب كل ذلك عنه لان الشيطان لا يجتمع مع ذكر الله في مكان واحد وذكر الله تحفه الملائكة لذلك يخنس الشيطان- كذلك ما جاء فى صحيح البخارى "اذا تثائب احدكم فليضع يده على فيه فان الشيطان يدخل " وفى رواية اخرى فان الشيطان يضحك" والروايتين بينهما ايهام يؤدى الى التناقض ولكن بالجمع بينهما يذهب التناقض ففى رواية البخارى يدخل وهل معنى ذلك انه يدخل من الفم عبر الاحشاء واذا كان ذلك صحيحا فلن يصل الى القلب الذى هو بيته وعرينه ولكن الذى يتأمل الرواية الثانيه "فان الشيطان يضحك" يجد ان هناك تقارب فى المفهوم وهو دخول الشيطان المكان الذى فيه تثائب وليس دخوله جوف الانسان لان ذلك امتهان لكرامة بنى ادم التى رفعها الله-

وفى الحديث (عن رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم حماره فقلت تعس الشيطان فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم وقال بقوتي صرعته وإذا قلت بسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب)الألباني المصدر:صحيح الترغيب - 3129

أي أن الشيطان بذكر الله يتصاغر حتى يصير اصغر من الذباب فكيف لة أن يدخل جسم الإنسان ويحمله على أفعال رغما عنه وفى الايه إن كيد الشيطان كان ضعيفا والأحاديث المذكور أنفا تفسر
المقصود بتلك الاية الكريمة . وفي الحديث الشريف بيانا واضحا لمعني الصرع في قوله (صرعته بقوتي ) أي أن الشيطان توهم انه هو السبب في تعثر دابة النبي وهو على غير الحقيقة كما
يوضح الحديث أن معنى الصرع هو الأذى الخارجي الذي قد يحدثه الشيطان وهذا هو معنى الصرع ولا يوجد دليل يفيد أن معنى الصرع دخول الشيطان بدن الإنسان والحديث واضح الدلالة في ذلك .
وهناك آيات كثيرة تبين أن أعداء الله لا تقتصر على الشياطين وحدهم كما في قوله تعالى  وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)) (فصلت ) جاءت كلمة أعداء بصيغة الجمع وأعداء
الله هم الكفرة والمشركون والسحرة وغيرهم وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَتُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ ) ( الممتحنه -1 )
وقال عز وجل : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) ( النساء ) وقال عز وجل ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) ) من هذه الآيات نوقن بأن كلمة عدو الله لا تعني إبليس وحده ولابد من دليل أخر لصرفها إلى إبليس دون غيره من أعداء الله عز وجل والراجح عندي أن ما كان يعانيه الطفل وعثمان ابن أبى العاص هو شيء من السحر أو الحسد ( والله أعلى واعلم )
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله : ( الفرق بين وصف الشيطان .. وبين الشيطان نفسه .. الشيطان كوصف عام معناه كل ما يبعد الناس عن طاعة الله وعن منطق الحق , وكل من يغري
بالمعصية .. ويحاول أن يدفع الإنسان إلى الشر .. كل واحد من هؤلاء هو شيطان ويجب أن نعلم ان هناك شياطين من الجن .. وشياطين من الإنس .. ويجمعهم وصف واحد , كما يجمعهم الاتحاد
في المهمة التي هي نشر المعصية والإفساد في الأرض .. شياطين الجن هم العصاة من الجن الذين يصدون عن الحق ويدعون إلى الكفر , وشياطين الإنس يقومون بنفس المهمة .. إذن فاللفظ هنا وصف لمهمة معينة .. وليس إشارة إلى شخص باسمه , فكل من دعا إلى الكفروالشرك والعصيان .. هو شيطان أما إبليس فهو - شيطان - من الجن( ( كتاب الشيطان وا لانسان )

4-
 حديث أم المؤمنين صفية ( رضي الله عنها )(: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا ، أو قال : شيئا ).هذا الحديث ليس فيه دليل مطلقا على دخول الشيطان جسم الإنسان

قال الشيخ منير عرب لرابطة العالم الإسلامي ما نصه( وأي إنسان يعرف اللغة العربية فانه يقول لك إن مدلول الحديث ومعناه أن مقصد الرسول عليه السلام إنما هو تحذير الأنصاريين من أن الشيطان موسوس ومغرض وأنه يسري بوسوسته في داخل الإنسان كما يجري الدم في العروق فهو تشبيه منه صلى الله عليه وسلم لهذين الصحابيين انما هي صفية بنت حيي حتى لا يذهب بكما الشيطان ويؤول لكما إني معي امرأة أخرى فحاشاه صلىالله عليه وسلم من الزلل ولكن لأن الشيطان يغوص في النفس ولذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم في موضع آخر (الحمد لله الذي رد كيده في الوسوسة والتحريش بين الناس) وللنظر إلى الصحابيين عندما قال لهما إنها صفية تعجبا من القول وقالا سبحان الله بمعنى أمنك أو فيك نشك يارسول الله وهذا المعنى الحقيقي لهذا الحديث ولا يؤل على محمل آخر أبدا والذي دعاني أن أتوسع في الحقيقة في هذا الأمر هو الجهلاء والدخلاء على الرقية الشرعية والذين أصبحوا يؤلون هذا الحديث بحسب أهوائهم . وفهمهم الخاطئ إذ يحملون الحديث ما ليس فيه وليس منه بل ويكذبون على الناس والعامة بهذا الحديث وتوسعوا جدا في موضوع التلبس وان الشيطان إنما هو دم وان الشيطان يسري مع الدم وان الشيطان يخرج مع الدم وان بعضهم يقوم بجرح المريض بدعوى إخراج الجني منه والبعض الأخر يستخدم الإبرة الخاصة في سحب الدم التي يستخدمها الطبيب في سحب الدم من المرضى للتحاليل المختبرية . ويقوم هذا الراقي أو مدعي الرقية بسحب الدم من المريض ويقول مدعيا بأنه أخرج الجني وما إلى ذلك من الأمور التي فيها من الكذب والإيهام للناس بما الله به عليم . بل وتطور الأمر كذلك عند الحجامين الذين انتشروا في هذا الزمان وهم ليسوا بصادقين إلا من رحم الله منهم وما هم إلا قليل بحيث أن المحجم الذي يقوم بالحجامة يتكلم مع المريض بأشياء تعد من الغيبيات بل في بعض الأحيان يقول للمريض بأنه يعرف بلون الدم إذا كان الإنسان مصابا بعين أو بسحر أو بمس من الجان وهذا انتشر بين الناس ونحن نرغب بسنن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يجب أن نضع حدا لمثل هؤلاء الدخلاء والجهلاء سواء كان ذلك في الرقية الشرعية أوالحجامة الذين يشوهون السنن ويدجلون على الناس ويضحكون على من لم يحظى بشيء من العلم الشرعي وكل ذلك باسم السنة النبوية والسنة بريئة مما يمارسه هؤلاء وأمثالهم . )
( ثم يقول قولنا أن الجن تحل في البشر فهو تدعيم لقول المتصوفة الحلولية بأن الله يحل بهم وأن النصارى يقولون بأن الله تجسد بيسوعوهو ماعرف عندهم بالحلول بنوعيه الحلول السريانى والحلول الجرارى ولا مجال لشرحهما هنا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. لابد أن نعلم أن الله ليس في حاجة لخلقه لأنه هوخالقهم فكيف يتجسد الخالق في المخلوق وهذا مالا يمكن ان يكون ولن ولم يكون والله  قال لنا في محكم التنزيل (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) أذن هذا الوصف الدقيق الذي صوره الله لنا هو حديث عن مخلوقين الله أراد لهم ذلك وأن يصور لنا كيف يكون حال ذلك الإنسان الذي يأكل الربا في الدنيا سيكون في الآخرة كالذي يتخبطه الشيطان من المس اذ أن الإنسان الذي به مس اى وسوسه  تجده متخبط وغير متزن بل تجده مترنح ويمشي كالسكران ويهذي كالمجنون . أما الذي يقول بأن الله يحل في المخلوقين فهو لا يعلم ما هي العلاقة وحدودها بين الخالق والمخلوق  وأخر جملة فى الحديث الشريف سالف الذكر تجيب على هؤلاء اذ حصر معنى يجرى مجرى الدم فى وسوسة الشيطان فى قوله (وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا ، أو قال : شيئا ).أي الوسوسة قال الله عز وجل (إنمايريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء) غاية ما يريد أن يصل إليه إبليس إيقاع العداوة والبغضاء ويحرش بين الناس ويوقع بينهم الخلاف والإفساد بينهم فيصبحوا أعداء متباغضين بعيدين عن الحب في الله وهذه هي الغاية الاسمي للشيطان

5-
الرد على استدلالهم بحديث ابى سعيد الخدري رضي الله عنه(عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم من
همزه ونفخه و نفثه قال : و همزه المؤتة و نفخه الكبر و نفثه الشعر)

 
والمُوتةُ بالضم جنس من الجُنُونِ والصَّرَع يَعْتَري الإِنسانَ فإِذا أَفاقَ عاد إِليه عَقْلُه كالنائم والسكران و المُوتة الغَشْيُ و المُوتةُ الجُنونُ لأَنه يَحْدُثُ عنه سُكوتٌ كالمَوْتِ وفي الحديث أَن النبي صلى الله عليه وسلم كانَّ يتَعوَّذُ بالله من الشيطان وهَمْزه ونَفْثِه ونَفْخِه فقيل له ما هَمْزُه ؟ قال المُوتةُ قال أَبو عبيد المُوتَةُ الجُنونُ يسمى هَمْزاً لأَنه جَعَله من النَّخْس والغَمْزِ الذى يغيب فيه العقل من ضراوة وسوسته والحاهه بها وكلُّ شيءٍ دفَعْتَه فقد هَمَزْتَه وقال ابن شميل المُوتةُ الذي يُصْرَعُ من الجُنونِ أَو غيره ثم يُفِيقُ وقال اللحياني المُوتةُ شِبْهُ الغَشْية وماتَ الرجلُ إِذا خَضَعَ للحَقِّ )
أي أن الموته الجنون أو يدفع الشيطان ابن ادم بوسوسته فيصير كالمجنون من تلبيس الأمور على عقلة كما في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحة ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان . فيستهل صارخا من نخسة الشيطان . إلا ابن مريم وأمه
(
وقال ابن ماجة رحمه الله في تفسير الحديث ) المؤتة يعني الجنون . والنفث : نفخ الرجل من فيه من غير أن يخرج ريقه . والكبر : التيه ) . وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك - ثم يقول : لا إله إلا الله - ثلاثا ثم يقول : - الله أكبر كبيرا - ثلاثا - أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ثم يقرأ( . (نقلا عن تفسير القرطبى )
مما سبق يتضح أن تفسير المؤته لا يعني دخول الجني بدن الإنسان ولا معناها المس المتعارف علية بين مدعي اخرج الجان من أجساد الممسوسين

6-
الرد على استدلالهم في إثبات دخول الجني الى بدن الممسوس بحديث عطاء ابن أبى رباح
(
 قال لي ابن عباس : ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت : بلى ، قال : هذه المرأة السوداء ، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع ، وإني أتكشف ، فادع الله لي ، قال : ( إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ) . فقالت : أصبر ، فقالت : إني أتكشف ، فادع الله أن لا أتكشف ، فدعا لها ).

هذا الحديث لا يوجد فيه أي دليل على دخول الجني بدن الممسوس ولا حجة فيه في هذا الباب لأنه غير معلوم نوع الصرع الذي كان يعترى هذه المرأة هل هو صرع مرضي أم صرع من الجن ونرجح انه كان صرع مرضى لان المرض ابتلاء وقضاء من الله وعلى الإنسان الصبر على المرض والفرق بين دخول الميكروبات او الفيروسات الى بدن الانسان ان هذه وتلك قد رؤيت وشوهدت بالاجهزة الحديثة اذن هى ماده ولكن كما قال علماء الطب هى كائنات ذات خلية واحده وهى من تكوين بنية الانسان ذاته بدليل ان الكل يمرض حتى النبى صلى الله عليه وسلم ولكن هنا سؤال هل ذهب ممسوس ليتم فحصه بالاشعة فوجدوا بداخله شيطان ؟ لا يمكن ولن يكون وكما حكي عن نبي الله أيوب علية السلام قال ابن كثير فى تفسيره نقلا عن السدي ) : تساقط لحم أيوب حتى لم يبق إلا العصب والعظام وهذا الكلام مردود)، فكانت امرأته تقوم عليه وتأتيه بالزاد يكون فيه ، فقالت له امرأته لما طال وجعه : يا أيوب ، لو دعوت ربك يفرج عنك؟ فقال : قد عشت سبعين سنة صحيحا ، فهل قليل لله أن أصبر له سبعين سنة؟ فجزعت من ذلك فخرجت ) (تفسير ابن كثير) وقد ذكرنا ذلك فى البحث الاول مستفيضا عن سبب الاستغاثة المفاجئه لنبى الله -
ولا يعقل ان يعلم رسول الله أن المرأة يسكن جسدها عدو الله إبليس ويتركها فريسة له لان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )

7-
الرد على استدلالهم بقوله تعالي
(
 الَّذِي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النَّاسِ) ( سورة الناس – الآية 5)على أن في ظرفية وان الشيطان حين يوسوس يكون بداخل جسم الإنسان

وهذا استدلال في غير محله لان في هنا من قبيل شدة الوسوسة حتى كأنه بداخل صدر الإنسان
كما في قوله تعالى قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى (71)) (طه أي لأصلبنكم تصليبا شديدا من شدته كأن جزء من المصلوب يدخل فى جذوع النخل قال الشعراوي رحمه الله في تفسيره ( المعروف أن التصليب يكون على الجذوع لذلك حاول بعض المفسرين الخروج من هذا الإشكال فقالوا في هنا بمعنى على لكن هذا التفسير لا يليق بالأسلوب الأعلى للبيان القرآني ويجب أن نتفق أولا على معنى التصليب : وهو أن تأتىبالمصلوب عليه وهو الخشب أو الحديد مثلا ثم تأتي بالشخص المراد صلبة وتربطه في هذا القائم ربطا قويا ثم تشد عليه بقوة ولتجرب هذه المسألة بنفسك وتأتى بعود كبريت وتربطه على إصبعك بشدة وسوف تجد ان العود يدخل في اللحم ساعتها تقول العود في إصبعك إذن في هنا على معناها الأصلي للدلالة على المبالغة في الصلب تصليبا قويا كأنه ليس عليه بل داخلة ) (تفسير الشعروي مجلد 15)

8-
الرد على استدلالهم بقوله تعالي
(
 وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقا )(الجن – 6 )

هذا الاستدلال بهذه الآية على أن الجن يدخل بدن الانسى ويزيدهم رهقا استدلال في غير محله وتفيد الأيه بان   الذي يستعين بالجن ينقلب عليه
ويذيقه ألوانا من العذاب و الإرهاق والتعب والمذلة وليس ثمة دليل من قريب أو بعيد يفيد دخول الجني جسم الإنسان

9-
مما سبق يتبن لنا انه لا يوجد دليل صريح يدل على إمكانية دخول الجني جسم الإنسان أي ما يعرف بالمس وإنما كلها تأويلات للآيات والأحاديث تقبل
العديد من المعاني

يجب علينا أن لا نلتفت إلى ذلك الأمر ونعلق عليه كل أخطاءنا وكل أفعالنا السيئة ولا نساعد في نشر الخزعبلات التي يدعيها ما يقال لهم في أيامنا هذه المعالج الروحاني فأننا إن ظللنا نلقى أفعالنا ومساوئنا على الشيطان ماتحمل احد نتيجة إعماله وما تقدمنا ولظللنا في مؤخرة الأمم والمؤمن الحق لا يعنيه ذلك مطلقا لأنه يعلم أن كل شيء بقضاء الله وبحكمته والمؤمن الحق متوكل على الله قال تعالى وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُوَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105))( التوبة ) وان الضر والنفع من الله ولا احد قال تعالى : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْيَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) ) وجاء في الحديث الشريف عن ابن عباس رضي الله عنه قال ( كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما قال يا غلام ، إني أعلمك كلمات : إحفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) (رواه الترمذي وصححه)
ويجب علينا صدق التوكل على الله وعدم الإشراك به سواء شركا خفيا أو ظاهرا واعتبار أن الضر والنفع من الجن والسحر وغير ذلك يصل إلى درجة الشرك والعياذ بالله لان بعض الناس
يصل بهم الأمر إلى الاعتقاد بان كل ما يحدث له من رزق وضر ونفع من السحر والجن والمس ويترك التوكل على الله مطلقا وهذا شرك ظاهر ظهور الشمس لقوله سبحانه ( أَيْنَمَا تَكُونُوا
يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً
(78) وصدق التوكل على الله هو الاعتماد المطلق على الله تعالى في جميع الأمور من جلب المنافع و دفع المضار قال تعالى (( وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً)) (الأحزاب: من الآية48)
والتوكل عبادة سامية ولا يجوز أن تصرف لغير الله عز وجل وقال تعالى (( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ )) (الفرقان: من الآية58) فالله سبحانه وتعالى الحي الذي لا يموت فلو توكل
العبد على احد غير الله فإنه إلى أغيار فقد يموت من ساعته لذا لا بد أن نجعل صدق التوكل على الله في الأمور كلها لقوله سبحانه ( كل شيء هالك إلا وجهه ) ولا نعتمد على جن أو انس
فيما جعلنا الله مستخلفين فيه ولا نلقي مشاكلنا على شماعة الشيطان فأن كيد الشيطان كان ضعيفا فان قبلت كيده الضعيف هذا واتبعته كنت ضعيف الإيمان لا محالة ولتوكل على الله كما
أمرنا إذا كنا نعتقد إننا على الحق المبين وجميعنا متأكد أن الإسلام هو الحق المبين فإن كنت على الحق فلا تتوكل الا على الله لقولة سبحانه : (( فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ)(النمل:79) .

بل إن الله تعالى جعل التوكل شرطاً لصحة الإيمان فقال سبحانه : (( وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ))
(
المائدة:الآية23).

ولم يجعل الله عز وجل التوكل شرطا من شروط الإيمان فقط بل جعل التوكل كذلك شرطا من شروط الإسلام أيضا فقال تعالى : (( فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ)) (يونس: من الآية84) .
وصدق التوكل على الله يهون على الإنسان مصائب الدنيا ويجعله يرى كل شيء بعين الرضا ولا يخشى في الله لومه لائم وكلما مر بمصيب هاو فتنه ازداد إيمانا وتصديقا ورضى بحكم الله
قال تعالى : ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو
فَضْلٍ عَظِيمٍ)) (آل عمران:173، 174) . وهذه الاية الكريمة دستور المتوكلين على الله فلا يضرك احد إلا بإذن الله ولا ينفعك احد إلا بإذن الله . وبالوصول إلى هذا المعتقد الصحيح لا
يضرنا جن ولا انس ولا شيء في الكون لأننا سلمنا أمرنا إلى الواحد الأحد الذي لا يموت .

والتوكل على الله لا ينافي الأخذ بالأسباب ، بل إن الأخذ بها من صدق التوكل ولكن الاعتماد على الأسباب دون المسبب من قمة المصائب وهو في حقيقته خلل في الدين والعقيدة والعقل ومن الأخذ بالأسباب في هذا الباب إتباع ما أمرنا به الله ورسوله فى التحصن من شياطين الإنس والجن بالأعمال الصالحة والأقوال المأثورة عن رسول الله صلى الله علية وسلم ونوقن بأننا لن يصيبنا أذى طالما أخذنا بتلك الأسباب سواء كان رأى الفريق الذي يقولبجواز دخول الجني الى بدن الإنسان صحيحا او كان راي الفريق الثانى القائل بعدم جواز دخول الجني إلى بدن الإنسان صحيحا فطالما أخذنا بتلك الأسباب والتحصنات التي علمنا إيها رسول الله لا نشغل بالنا بهذا الأمر لأننا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وطالما فعلنا ذلك فلا يساورنا الشك طرفة عين في انناأصابنا مس أو ضر من الشيطان لان هذا هو قمة التوكل على الله.

                    خلاصة القول فى ماهية
                  العلاقة بين الانسان والشيطان
                  ................................
مطلوب دائماً من المؤمن أن يتدبر القرآن كل حسب ما يسمح به ظرفه وما يتيسر له من وقت، فالقرآن ليس حكراً على أحد، وهو كتاب أنزله الله لكل البشر وليس لفئة محددة من العلماء والمختصين، لذلك أدعو جميع إخوتي وأخواتي من القراء أن يعطوا شيئاً من وقتهم لتأمل آيات القرآن وأن يقدموا شيئاً لهذا القرآن: أقل ما يمكن أن نتدبر القرآن عسى الله أن يرحمنا ويشفينا ببركة هذا القرآن وأن يكف كيد المستهزئين بنبينا عليه الصلاة والسلام.
فكل من لا يتدبر القرآن مقفل القلب ولو كان يظن نفسه أنه مؤمن! ومن لم يصدق هذا الكلام ليقرأ قوله تبارك وتعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24]. فعليكم يا أحبتي بتدبر هذا القرآن الذي سيكون شفيعاً لكم يوم لقاء الله يوم يتخلى عنكم أقرب الناس إليكم.
هذه وجهة نظر نقدمها للقراء للمناقشة وإبداء آرائهم، ونحب من قرائنا أن يتفاعلوا معنا في مثل هذه المواضيع بهدف زيادة الإيمان، فلا ننتظر الغرب حتى يكشف لنا الحقائق لابد من أن نتحرك ولو قليلاً ونحن المسلمين لدينا أساس قوي جداً غير متوفر لدى الغرب وهو القرآن.
علم الطاقة
والسؤال: يتحدث العلماء اليوم عن علم الطاقة والطاقة الكونية والطاقة الحيوية فهل في القرآن نوع من أنواع الطاقة الشفائية أو الطاقة التي تغير حياة الإنسان بالكامل، وكيف يمكن أن نفهم موضوع الجن والسحر والحسد في عصر العلم اليوم؟
نتلقى الطاقة في كل لحظة من عمرنا على شكل موجات ضوئية وكهربائية ومغنطيسية، فالشمس وهي أكبر مصدر للطاقة بالنسبة إلينا تبث حرارتها وضوءها على شكل اهتزازات، هذه الاهتزازات تؤثر فينا وقد لا نرى هذا التأثير ولكننا ندرك نتائجه.
إن جزيئات الماء تهتز في كل خلية من خلايا جسمنا، حتى الصوت الذي نسمعه ما هو إلا اهتزازات لها تردد معين، والأشياء التي نراها فإننا نراها بواسطة الضوء وهو عبارة عن اهتزازات لها ترددات محددة لكل لون من ألوان الضوء.
حتى الأحاسيس والمشاعر والقلق والخوف والحب وغير ذلك ما هي إلا اهتزازات لا نشعر بها ولكنها في الحقيقة موجودة.
الحرارة التي نحس بها والبرودة التي تجعلنا نرتجف ما هي إلا اهتزازات أيضاً لا نراها ولكنها موجودة! إن كل ذرة في جسدنا تهتز بسرعة لا يتصورها مخلوق، والسوائل داخل الخلايا تهتز أيضاً، ويمكنني أن أقول إننا نعيش في عالم من الاهتزازات.
طبيعة الجان والشياطين
إن النار التي نراها هي في الحقيقة اهتزازات، وبما أن الجنّ قد خُلق من النار، فلا بد أن يتميز بالطبيعة الاهتزازية، وهذا ما حدثنا عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) [النمل: 10]. وقال أيضاً: (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ) [القصص: 31].
إذن العصا تهتز مثل الجان إذن الجان يهتز، لماذا يهتز؟ لأنه خلق من النار أي الطاقة، يقول تعالى: (وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) [الحجر: 27]. وهنالك آية أيضاً تتحدث عن الكيفية التي تؤثر فيها الشياطين على الكفار، يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) [مريم: 83]. يخبرنا الفيروز آبادي في معجمه القاموس المحيط عن معنى هذه الكلمة: "أزّت القِدرُ أي اشتد غليانها"، والسؤال: ما هو الشيء الذي تؤثر فيه الشياطين فتجعله يغلي؟
يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) أي تغويهم وتطغيهم. ولكن كيف تتم عملية الإغواء هذه؟ وكيف يستجيب الكافر ويتفاعل مع الشيطان، وما هي الوسيلة التي يتم التواصل من خلالها بين الشيطان والكفار؟
ذبذبات شيطانية
إن الشيطان يستخدم نوعاً من الاهتزازات والتي أشد ما تؤثر على الكافر، أما الذي يذكر الله تعالى فإن أزيز الشيطان لا يؤثر به، ولكن كيف تحدث العملية؟
يقول سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]. نستطيع أن نقرر من خلال هذه الآية أن ذكر الله يؤدي إلى الطمأنينة، أي ما يسمى بلغة العلم "الاستقرار النفسي"، إذن لدينا اضطراب ولدينا استقرار.
الاستقرار يعني أن الطاقة في أقل مستوى لها، والاضطراب يعني أن الطاقة في أعلى مستوياتها، ولذلك نجد المرضى النفسيين يعانون من عدم استقرار، ونلمس ذلك في حركات أجسامهم المضطربة، أما الذي يذكر الله تعالى فإن هذا الذكر سيؤثر على كمية الاهتزازات لديه فيخمدها، وهذه هي الطمأنينة التي حدثنا عنها الآية الكريمة.
إن العلاقة بين المادة والطاقة والتي اكتشفها آينشتاين منذ مئة سنة هي علاقة مهمة، فالمادة يمكنها أن تتحول إلى طاقة والعكس صحيح. ويمكن القول إن المادة هي تكثيف شديد للطاقة.
إن الله تعالى خلق الجن من النار والنار تتميز بالطاقة العالية، ولذلك استكبر إبليس عن السجود لآدم وقال: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [الأعراف: 12]. من هذه الآية نستدل على أن الجن له طبيعة طاقوية أشبه بالحرارة والاهتزازات (موجات الطاقة) التي تنبعث من النار.
كيف يؤثر إبليس علينا؟
الشيطان له وسيلة تأثير بالاهتزازات أو الذبذبات غير المرئية، يقول تعالى: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 27]. الشيطان يؤثر علينا بواسطة الذبذبات الشيطانية غير المرئية، وهذه الذبذبات لها ترددات عالية ولذلك نجد أن آخر سورة في القرآن ختم الله بها كتابه هي سورة الاستعاذة من الشيطان: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [سورة الناس].
لاحظوا معي أن هذه السورة تحوي حرف السين بنسبة كبيرة وحرف السين هو الحرف الأعلى من حيث تردده أي له تردد مرتفع جدأً، ولذلك نجده يتكرر 10 مرات في سورة تتألف من 20 كلمة أي بمقدار النصف وهذه أعلى نسبة لحرف السين في القرآن!!
كأن الله يريد أن يقول لنا احذروا الشيطان ووسوسته فهو عدو لكم فاتخذوه عدواً وتنبهوا له في كل لحظة، ولكن للأسف تجدنا غافلين عن هذا العدو الذي يتربص بنا، ولا نقوم بأي إجراء مع العلم أن الإجراءات التي جاءت في القرآن سهلة جداً أقلها أن تقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
كيف يؤثر الشيطان على خلايا دماغنا وطريقة تفكيرنا؟
إن دماغ الإنسان يبث بشكل دائم ذبذبات كهرطيسية يمكن قياسها بأجهزة خاصة، وحتى أثناء النوم لا يتوقف الدماغ عن البث لهذه الذبذبات، ويقول العلماء إن هذه الذبذبات مع الذبذبات التي يبثها القلب تشكل مجالاً كهرطيسياً يحيط بالإنسان ويمكن تصويره بكاميرا خاصة (كاميرا كيرليان).
والفكرة التي أود أن أطرحها هي أن الإنسان عندما يقرأ القرآن فإن دماغه يتفاعل بطريقة خاصة مع القرآن ويبدأ الدماغ والقلب ببث الترددات الكهرطيسية بطريقة مختلفة، وهذه الترددات تشكل مجالاً يحيط بالإنسان. وهناك ذبذبات لا يمكن رؤيتها تصدر عن الدماغ والقلب وتحيط بالإنسان ويمكن أن أسميها "ذبذبات قرآنية" تشكل غلافاً حول الشخص الذي يقرأ القرآن.
إن هذا المجال أو الغلاف أو الحصن يقف كالسد المنيع أمام ذبذبات الشيطان التي يبثها ويوسوس بها، ولذلك أمرنا الله تعالى أن نقرأ سورة الفلق وهي أقوى سلاح لإبعاد الشيطان وتأثيره. فعندما نقرأ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) [سورة الفلق] يتشكل حولنا مجال قوي وذبذبات معاكسة للذبذبات التي يبثها الشيطان في عمله، فتفنيها وتبددها وبالتالي فإننا في حالة حرب مع هذا الشيطان، كما قال تعالى: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)[النساء: 76].
وأعود فأقول إن هذه الأفكار هي وجهة نظر تحتمل الصواب أو الخطأ ولكن هناك الكثير من الشواهد القرآنية والآيات يمكن فهمها في ضوء العلم الحديث. فنحن كمسلمين ينبغي أن ندعو غير المسلمين وهؤلاء أناس ماديون لا يفقهون إلا لغة العلم، ولكي نقرب لهم حقيقة الشيطان لابد من استخدام لغة العلم.

إن الأسلوب الذي يستخدمه الشيطان في التأثير على البشر هو الذبذبات الشيطانية غير المرئية ولكنها مؤثرة، وهي عبارة عن ترددات من نوع خاص، يؤثر بها على الذي لا يذكر الله تعالى، أما الذي يقرأ القرآن فإن صوت القرآن ينفر الشيطان ويبعده، وبالتالي كأن هناك حرب بين ذبذبات شيطانية أو صوت الشيطان وبين صوت الحق أو القرآن. والمؤمن عندما يقرأ القرآن يحيط نفسه بمجال قوي يمنع أي شر يحيط به، والله أعلم.
ما الذي يحدث عندما نقرأ آية الكرسي؟
ما الذي يميز آية الكرسي عن غيرها من الآيات؟ إنها أعظم آية في القرآن كما أخبر بذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وعند قراءة هذه الآية: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [البقرة: 255] فإن كل حرف من حروفها له تردد خاص وعند اجتماع هذه الحروف فإنها تعطي ترددات خاصة نعتقد أنها تؤثر على الأشياء من حولنا!!
إن قراءة القرآن بشكل عام تؤثر على كل شيء سواء كان عاقلاً أم غير عاقل، فقد أخبرنا الله تعالى أن كل شيء يسبح بحمد الله حتى الجبال والجبل كما نعلم هو تراب وصخور، يقول تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [الإسراء: 44]. ولذلك فإن الجدران من حولنا تتأثر بكلام الله والماء الذي نشربه يتأثر بكلام الله، والطعام الذي نأكله يتأثر بكلام الله ويتغير تركيبه، وإلا لماذا نهى الله عن أكل اللحوم التي لم يُذكر اسم الله عليها؟ يقول تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام: 121].
الذبذبات المضادة!
كما قلنا إن الشيطان يستخدم ذبذبات يؤثر بها على أوليائه الذي يطيعونه، وكل من يعصي الله لابد أنه تأثر بهذه الذبذبات أو الوساوس، فالله تعالى يقول عن أسلوب الشيطان في الإغواء: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) [الإسراء: 64] ونحن نعلم أن الصوت هو ذبذبات تنتشر في الهواء، هذا الصوت الذي نعرفه، ولكن صوت الشيطان هو ذبذبات أيضاً ولكنها غير مرئية ولا يمكن قياسها أو معرفتها ولكنها موجودة ويمكن رؤية آثارها.
ولا يمكن أن نقاوم هذا الصوت الشيطاني إلا بصوت معاكس من خلال آيات من القرآن، لقد حدثنا الله تعالى أنه أثناء قراءة القرآن فإن حجاباً وحصناً يتشكل حول الإنسان يحول بينه وبين كل كافر ومنهم الشيطان، يقول تعالى: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا) [الإسراء: 45]. أي أن صوت القرآن يؤدي إلى تشكل ذبذبات تحيطك من كل جانب فلا يستطيع أحد أن يصل إليك!
كيف نعالج تأثير الشيطان
إنها عملية بغاية البساطة، انظروا معي إلى قول الحق تبارك وتعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف: 200-201].
استخدام الماء لإبعاد تأثير الشيطان وأفضل استخدام للماء هو الوضوء، يقول تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ) [الأنفال: 11]. وبما أن المؤمن يتوضأ باستمرار فإنه لا يقربه الشيطان، ولا يؤثر به سحر أو حسد!
الاستعاذة بالله من شر الشيطان باستمرار، يقول تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) [النحل: 98-100].
وأخيراً يا إخوتي!  ليس عبثاً أن يختم الله أعظم كتاب على وجه الأرض بالمعوذتين: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وذلك بسبب أهمية هاتين السورتين، وكأن الله يريد أن يقول لنا إن الشيطان موجود في كل المناسبات وقد أنزلت لكم سورتين عظيمتين فيهما سلاح لكل شر.
وقد وجدتُ أن أفضل سلاح هو حفظ القرآن وأنصح كل أخ وأخت أن يبدأ منذ هذه اللحظة بحفظ القرآن، لأنك منذ اللحظة الأولى التي تقرر فيها أنك يجب أن تحفظ القرآن سوف يبدأ التغيير في حياتك، فكل الأمراض التي تعاني منها تختفي، كل المشاكل النفسية والاجتماعية تزول، كل الشر المحيط بك يتوقف لأنك عالجت السبب وهو الشيطان، فحفظ القرآن هو بحق إعادة لبرمجة خلايا دماغك، وهو صيانة وتأهيل لقلبك، وهو شفاء ورزق وسعادة وإبداع....
نسأل الله أن يرزقنا حفظ هذا القرآن عسى أن نلقاه وقد حفظنا كلامه في صدورنا ونكون من الذين قال فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر: 29-30].
وهناك اعتقاد عند بعض الناس بعد كل هذه الادله أن الشيطان من الممكن أن يسكن داخل جسد إنسان، فيتبعون طرقاً لإخراجه أو إحراقه أو خنقه وغير ذلك، وأقول يا أحبتي ينبغي دائماً أن نبني إيماننا على أساس علمي متين لكي لا يأتي من يزعزع هذا الإيمان.
فالشيطان موجود، وهو قريب منا ولكن تأثيره يكون على غير المؤمن، أما المؤمن الذي يقرأ القرآن فلا يستطيع الشيطان التأثير عليه مهما حاول. لأنك يا أخي عندما تقرأ آيات القرآن وبخاصة سورة الفاتحة وآية الكرسي وآخر ثلاث سور من القرآن سوف يتشكل حولك ما يشبه الحصن بسبب هذه الآيات، وسوف يحجزك عن أي شر ويحصنك من أي ضرر يمكن أن يصيبك إلا بإذن الله.
فسورة الناس أنزلها الله وختم بها كتابه لحكمة عظيمة وهي أن تكون علاجاً للوساوس والهموم والأحزان، فمن أصابه وسواس فعليه أن يكثر من قراءة هذه السورة بتدبر وخشوع وهو يعتقد أنه لا يضر ولا ينفع إلا رب الناس سبحانه وتعالى.
وأنا شخصياً لا أعتقد أن الشيطان يسكن في الإنسان، إنما يوسوس له ويؤثر على دماغه وقلبه، فيصبح لدى هذا الإنسان وساوس وهموم وتخيلات، وأن ما نراه من بعض الذين يدعون أن هذا الإنسان مسه الشيطان وسكن فيه فيقرأ عليه القرآن ليخرج أو يحترق فهذه أوهام.
لأن الشيطان لا يمكن أبداً أن يسكن في قلب إنسان يقرأ القرآن، فهو يهرب من ذكر الله ويكره القرآن، بل إن الشيطان يبتعد عنك بمجرد أن تتعوذ بالله منه وتقول (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). وأنصح كل من يعالج بالقرآن أن يتقي الله في الشخص الذي يعالجه ولا يوهمه بذلك، وأن يعلمه كيف يقرأ القرآن ويشرح له آيات الشفاء ويأمره بالصلاة وبالأعمال الحسنة والابتعاد عن المعاصي، فهذا هو الشفاء الحقيقي بإذن الله تعالى.
وأنصح أي أخ يعاني من الوساوس أن يبدأ فوراً بحفظ القرآن الكريم، فهذه أفضل طريقة لملء الوقت بعمل مفيد، وأن يركز على الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، أن يقول: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه) هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تكثر من قراءة وتكرار سورة الناس: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)  
وأن يقرأ هذه الآيات سبع مرات:
1- (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
2- (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
3- (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
4- (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
والله أعلم.