الخميس، 5 يناير 2012

الاقضية والمقادير

التعريف بالقدر


" القدر مصدر ، تقول :
قَدَرت الشيء بتخفيف الدال وفتحها أقْدِره بالكسر والفتح قَدْراً وقَدَراً
إذا أحطت بمقداره " (1) .


والقدر في اللغة " القضاء والحكم ومبلغ الشيء
والتقدير التروية والتفكر في تسوية الأمر " (2) .


والقدر في الاصطلاح : " ما سبق به العلم ، وجرى به القلم مما هو كائن إلى الأبد
وأنه – عز وجل - قدَّر مقادير الخلائق ، وما يكون من الأشياء قبل أن تكون في الأزل
وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده تعالى
وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع على حسب ما قدرها " (3) .


وقال ابن حجر في تعريفه :
" المراد أنّ الله – تعالى – علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها
ثمّ أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد ، فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته " (4) .


ونقل السفاريني عن الأشعرية أن " القدر إيجاد الله – تعالى –
الأشياء على قدر مخصوص ، وتقدير معين في ذواتها وأحوالها
طبق ما سبق به العلم وجرى به القلم " (5) .



وهذه التعريفات متقاربة فيما بينها ، وهي تفيد أن القدر يشمل أمرين :

الأول : علم الله الأزلي الذي حكم فيه بوجود ما شاء أن يوجده
وحدد صفات المخلوقات التي يريد إيجادها
وقد كتب كل ذلك في اللوح المحفوظ بكلماته
فالأرض والسماء أحجامهما وأبعادهما وطريقة تكوينهما وما بينهما وما فيهما
كل ذلك مدون علمه في اللوح المحفوظ تدويناً دقيقاً وافياً .


والثاني : إيجاد ما قدر الله إيجاده على النحو الذي سبق علمه وجرى به قلمه
فيأتي الواقع المشهود مطابقاً للعلم السابق المكتوب .


والقدر يطلق ويراد به التقدير السابق لما في علم الله
ويطلق ويراد ما خلقه وأوجده على النحو الذي علمه .


وسئل الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى –
عن القدر فأجاب شعراً قائلاً:

فما شئتَ كان وإن لم أشـأ==== وما شئتُ إن تشأ لم يكنْ


خلقتَ العباد على ما علمتَ=== ففي العلم يجري الفتى والمُسِنْ


على ذا مننتَ وهذا خذلتَ ----- وهذا أعنـتَ وهذا لم تُعِنْ


فمنهم شقي ومنهم سعيد  ومنهم قبـيح ومنهم حَسَنْ
تقدير المقادير قبل خلق السموات والأرض
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرص بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء" رواه مسلم. وكان عبادة بن الصامت على فراش الموت فاوصى ابنه فقال: يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان ولن تبلغ حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى حتى تؤمن بالقدر خيره وشره. قلت يا أبتاه، كيف لي أن أعلم أن  ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول ما خلق الله تعالى القلم ثم قال اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة، يا بني أن مت ولست على ذلك  دخلت النار" وقال النبي لأبي هريرة" جف القلم بما أنت لاق" . وعن عبد الله بن عباس قال : كنت خلف النبي (ص) يوما فقال لي " يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سالت فسل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" . ودخل على الحسن  يزيد بن مريم السلولي وهو يتوكأ على عصا فقال: يا أبا سعيد أخبرني عن قوله تعالى " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها" فقلا الحسن: نعم, والله إن الله ليقضي القضية في السماء ثم يضرب لها أجلا أنه كائن في يوم كذا في ساعة كذا ، حتى إن الرجل ليأخذ العصا ما يأخذها إلا بقضاء. قال يا أبا سعيد والله لقد أخذتها وإني عنها لغني. وعن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله (ص) يقول " إن الله عز وجل خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور شيء اهتدى، ومن أخطأه ضل، قال عبدالله: فلذلك أقول: جف القلم بما هو كائن"
                         سامى العقيبى

ليست هناك تعليقات: