الأربعاء، 20 يوليو 2016

قضية الاستواء على العرش

 عندما سئُل مفسرون قدامى : ما معنى قوله سبحانه وتعالى : " الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ استَوَى ( 5 ) " سورة طه ؟ قال : " كاستوائي على كرسي هذا " ومد قدميه .. منتهى الخطأ .. فلو قبلنا بهذا المعنى لعرش الله نكون حددناه وصغرناه وصورناه .. حددناه في مكان معين .. وصغرناه حتى تشابه مع الأرائك والكراسي .. وصورناه بأنه جالس على كرسي .
في القرآن كلمات تأخذ معنى خاص حسب السياق التي توضع فيه .. لا تملك نفس المعنى في كل الحالات .. مثل كلمة الناس مثلاً .. إن كلمة الناس مجرده تعنى كل البشر مهما كانت ديانتهم وثقافتهم وجنسياتهم لكنها فى القرآن تتلون بمن حولها .  
يقول سبحانه وتعالى : " وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (97 ) " سورة آل عمران .. الناس هنا لا يقصد بهم سوى المسلمين الذين عليهم حج البيت .. خاصةً أن الآية تضيف : " وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ " .. وقد استغل البعض كلمة الناس هنا ليقول إن من حق غير المسلمين الحج .. دون أن يستوعب تغير المعنى .. بل أكثر من ذلك لا يقصد كل المسلمين بل يقصد المستوفين منهم لشروط الحج وهى أن يكون المسلم قادراً وبالغاً وعاقلاً .. فلو فقد المسلم شرطاً من هذه الشروط يخرج من الناس المقصودين في الآية .
ويقول سبحانه وتعالى : " ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ (199) " سورة البقرة.. أي أفيضوا من عرفات .. أي زيدوا منه .. فكأن الناس هنا يقصد بهم الذين سبق لهم أن صعدوا إلى عرفات في عام سابق أو في نفس العام .
ويقول سبحانه وتعالى : " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ (14)" سورة آل عمران "  فإنه يقصد بكلمة الناس هنا : الرجال .. وعندما يقول سبحانه وتعالى : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ ( 13)" سورة البقرة  فإنه يقصد بكلمة الناس هنا : المؤمنون .
وكلمة العرش مثل كلمة الناس تأخذ معناً مختلفاً باختلاف موقعها .. فالعرش قد يقصد به الكرسي .. كما نفهم من قصة بلقيس وسيدنا سليمان .. " قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ (42)" سورة النمل .. " نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا (41) " سورة النمل .." أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا (38) " سورة النمل .. والعرش قد يقصد به سقف البيت .. وقد يقصد به العمل في خلايا النحل .. " وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) " سورة النحل  .
معاني كثيرة لكلمة العرش فلماذا لا نقبل إلا بمعنى الكرسي ؟ .. السبب أن هناك من قديم التفسير من قال ذلك واستمر معنا .. أولهم قال هذا فثبت عند آخرهم .. والمعتاد عند المفسرين كالمعتاد عند الموظفين .. أول توقيع هو الذى يحرك الورقه ثم يوقع الثانى على توقيع الأول ويوقع الثالث على توقيع الثانى .. ألاول هو الذى يحدد ما فهم الأخير فلو أخطأ يستمر الخطأ .. ولو راجع أحد ما قال الأول فإنه يُتَهم بما لا يطيق .. فمن الذى يجرؤ على مراجعة القرطبى وابن كثير مثلاً ؟ .
لقد جعلوا للمفسرين قداسه حتى أن مراجعة كلامهم يعد خروجاً عن المألوف .. إننا لا نقول إن ما جاء منهم خطأ وإنما نقول إنه ربما كانت هناك معانٍ أخرى وإلا ما كان هناك مبرر لوجود أكثر من مفسر .
عرش الله ليس كعرش بلقيس واستواؤه على العرش كاستوائنا على مقاعدنا خطأ غير مقبول ولماذا جاءت آية الكرسى كأعظم آية فى كتاب الله تعالى "وسع كرسيه السماوات والارض" البقره34 وهذا من باب التنويه الى  ان الله منزه عن كل ما ذكر .. أما ما المقصود بالاستواء فلا نستطيع معرفته إلا إذا عرفنا معنى كلمة الرحمن .. الرحمن الذى استوى على العرش .
الرحمن أسم صفه ومنه الرحمانيه والرحيم أسم صفه ومنه الرحيميه .. الرحمانيه تمزج بين الرحمه والعذاب .. والرحيميه تعنى رحمه خالصه .. كلمة الرحمن أسم الله .. فهو سبحانه وتعالى رحمه وعذاب .. مثل الدواء مر وشفاء .. أما الرحيم فمثل كوب من الماء البارد في صحراء من العطش .
وأسماء الصفات الإلهيه في مركز انطلاق تجليها أو فى موضع فياض الجبروت تبدو وكأنها متضاده .. الخافض والرافع .. المعز والمذل .. المحي والمميت .. مثلاً .. فبعض هذه الأسماء جمالى : فيه رحمة الماء البارد فى الحر .. المانح والمعز والمحيي والوهاب والعليم .. مثلاً .. والبعض الآخر جلالى يصعب على الإنسان تحمله .. المنتقم والجبار والمذل والقهار .. مثلاً .. وحياض الجبروت إما جماليه أو جلاليه .. فلابد من إسم صفه يسيطر عليهما معاًً ويجمع بينهما معاً .. هنا نجد الرحمن الذى يجمع بين الرحمه والعذاب .. بين الأسماء الجماليه والأسماء الجلاليه .
مثل قرص خلية النحل .. فيها حياه لا تنتهى ولابد من ملكه لها تسيطر وتحكم هى الملكه التى لها عرش فى الخليه .. " عرشت له " .. وأسم الرحمن يسيطر على العرش كما تسيطر الملكه على خلية النحل مع البون الشاسع فى الفرق وانما جئت به للتقريب والتمثيل - معاذ الله عن كل ذلك -.. فلو كانت الأسماء مثل النحل فإن الرحمن هو الملك  .. ولو كانت الأسماء تنقسم بين الجمالى والجلالى فإن الأسم الذى يجمع بينهما هو أسم الرحمن ويعرف بالأسم الكمالى الذى يجمع بين الجلال والجمال .. هو سيد العرش .
لو كان أسم الرحمن جمالياً فلن تكون له السياده على الأسماء الجلاليه ولو كان جلالياً فلن تكون له سيطره على الأسماء الجماليه .. لابد أن يكون الرحمن مهيمناً ومسيطراً على كل أسماء الصفات الإلهيه   .
والعرش ليس هناك ما نعرف مكاناً للجلوس عليه .. وإنما مفهوم للسيطره .. للهيمنه .. فلو أن حاكماً اُنتخب لرئاسة دوله فهل من الضرورى أن يكون له عرش حتى يهيمن ويسيطر ؟ .. ولو لم يكن لملك عرش فهل لا يكون ملكاً ؟ ..  هل لا تكون له سطوه وقوه ؟ .. ولو ترك ملك كرسى العرش وجلس على الأرض فهل يفقد صلاحيته ؟ .. ليس من الضرورى أن يكون الكرسي موجوداً ليكون الملك ملكاً .. ولو كان ذلك يحدث مع البشر فما بالنا بالله .. إنَّ استوى تعنى هيمن وسيطر وتحكم ولا تعنى استوى وتمدد .
الرحمن على العرش استوى .. تعنى أن الله سيطر وهيمن على العرش بكل صفاته الجماليه والجلاليه ليكون أسم الرحمن كمالياً .. ليكون ذا الجلال والإكرام .
ما ضمه أسم الرحمن جرى تفسيره فى الأسماء الأخرى لله سبحانه وتعالى .. فقد جمع الرحمن ما بين الجلال والجمال .. وما فى الرحمن من جلال فُسر فى الأسماء الجلاليه وما فيه من جمال فُسر فى الأسماء الجماليه .
ولكن ما الفرق بين الرحمن - والرحيم- ؟ الرحمن هو من تعدت رحمته الى كل من ليس به حياة  كالجمادات بأنواعها المتعدده -أما الرحيم فهو خاص بكل من به روح من الاجناس المختلفه من مخلوقات الله عزوجل ولذا بدء بالرحمن وثنى بالرحيم لان الاصل فى الوجود كان جمادا .
ونأتى إلى قوله سبحانه وتعالى : " وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ " .. لنقول : المقصود بالماء ليس البحار والمحيطات وإنما المقصود بها الروح .. فقد أنزل علينا من السماء ماء فأحيا الأرض بعد موتها .. فالأرض هى الجسد والماء هو الروح .. ويقول سبحانه وتعالى : " وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ (45) " سورة النور .. " وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (30) " .. سورة الأنبياء  فلا يكون الشئ حياً إلا إذا كان به ماء .. الماء هو الروح .. ومن ثم فإن عرشه على الماء هيمنته على الروح .
نعود ونقول فى تفسير هذا ! موضوع العرش أي كل كلمه فى القرآن تأخذ معناً مختلفاً حسب سياقها .. وأن كلمة العرش لا يقصد بها مكاناً للجلوس وإنما يقصد بها القوة والهيمنة والسيطرة ..  والعرش هو كل ما خلق الله عز وجل يعنى الملكوتات بأسرها هى عرش الله تعالى ولو كان بعض أسماء الله جلالياً يعنى العذاب وبعضها الآخر جمالياً يعنى الرحمه فإن إسم الرحمن الذى يجمع بين الرحمه والعذاب هو أسم الله الذى يسيطر على تجلى صفاته المذكوره فى أسمائه .. هو أسم كمالى يسيطر على كل ما هو جمالى وجلالى .. ولو كنا قد توصلنا إلى أن الماء يعنى الروح فإن عرش الله على الماء تعنى سيطرته على الروح ..والمقصود به  الحركة فى الكون  فمنذ الانفجار العظيم والحركة مستمره يحركها محرك لا يتحرك أوما  اسماه " انشتاين " الثابت الزمنى- فالله ثابت محرك لا يتحرك بيده مقاليد السماوات والارض --- سبحانه وتعالى .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق