الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

افتراق الامة


         
                        الافتراق والشرذمه
                      ........................

{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }الشورى13
{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }آل عمران103
{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً }النساء146
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78
{وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }المائدة56
{فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }المؤمنون53
{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }الروم32
{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال46
{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }البقرة213
ِلكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }المائدة48
{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }يونس19
{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }هود118
{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }الأنبياء92
{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ }المؤمنون52
{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ }آل عمران19
{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }آل عمران85
{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }الأنعام65
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }الأنعام159



سبب افتراق الامة الى 73 شعبة

ويقول بعض الناس: إن تفرق الأمة أمر لازم فرضه القدر وأخبر به الشرع فلا مناص منه، ولا مهرب منه.

يدل لذلك:

1.
ما جاء من أحاديث تكاثرت واستفاضت تنبئ بأن الله تعالى جعل بأس هذه الأمة بينها.

2.
حديث افتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة.

معنى جعل بأس هذه الأمة بينها:

أما أحاديث جعل هذه الأمة بأسها بينها، وتسليط بعضها على بعض، فهي أحاديث صحيحة مستفيضة رويت عن عدد من الصحابة، منهم سعد بن أبي وقاص وثوبان، وجابر بن عتيك، وأنس بن مالك، وحذيفة ومعاذ بن جبل، وخباب بن الأرت، وشداد بن أوس، وخالد الخزاعي، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس وأبي هريرة.

وقد ذكر هذه الأحاديث الحافظ ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض) (سورة الأنعام: 65).

واكتفي من هذه الأحاديث بثلاثة:

ما رواه أحمد ومسلم عن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية، حتى إذا مر بمسجد بني معاوية، دخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه، ودعا ربه طويلا، ثم انصرف إلينا فقال صلى الله عليه وسلم: "سألت ربي ثلاثا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة أعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها".

وروى الإمام أحمد وغيره عن خباب بن الأرت: راقبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة صلاها كلها، حتى كان مع الفجر، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته، فقلت: يا رسول الله، لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت مثلها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل إنها صلاة رغب ورهب! سألت ربي عز وجل فيها ثلاث خصال، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألت ربي عز وجل أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا، فأعطانيها، وسألت ربي عز وجل أن لا يظهر علينا عدوا من غيرنا، فأعطانيها، وسألت ربي عز وجل أن لا يلبسنا شيعا فمنعنيها".

فروى مسلم عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لي الأرض، فأريت مشارقها ومغاربها.." الحديث.

والأحاديث المذكورة ـ وما في معناها مما لم نذكره ـ واضحة الدلالة على المراد، وهو أن الله تعالى ضمن لنبيه صلى الله عليه وسلم في أمته أمرين كرامة له عليه الصلاة والسلام، وأجاب دعوته فيهما:

الأول: أن لا يهلكها بما أهلك به الأمم السابقة بمثل الغرق الذي أهلك الله به القوم نوح، أو فرعون وجنوده، أو بالسنين أي المجاعات الماحقة التي تهلك بها الأمة كافة، أو بغير ذلك من الرجم من فوقهم أو الخسف من تحت أرجلهم.

الثاني: أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم، يسلط عليهم بحيث يستبيح بيضتهم ويستأصل شأفتهم، ويقضي على وجودهم.

ولكن أمرا آخر طلبه النبي صلى الله عليه وسلم من ربه، فلم يجب إليه ولم يضمنه له، وهو: أن لا يلبس هذه الأمة شيعا، ولا يجعل بأسها بينها، فلم يجب الله سبحانه لرسوله الكريم هذا السؤال، وتركه للسنن الكونية والاجتماعية، ولشبكة الأسباب والمسببات.

فالأمة هنا هي مالكة أمر نفسها، لم يجبرها الله على شيء، ولم يخصها ـ في هذا المجال ـ بشيء، فإذا هي استجابت لأمر ربها، وتوجيه نبيها، ودعوة كتابها، ووحدت كلمتها، وجمعت صفها، عزت وسادت وانتصرت على عدو الله وعدوها، وحققت ما يرجوه الإسلام منها، وإن هي استجابت لدعوات الشياطين، وأهواء الأنفس تفرقت بها السبل، وسلط عليها أعداؤها، من خلال تفرقها، وتمزق صفوفها، كما أشار إلى ذلك الحديث "حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا".

والحديث لا يعني بحال أن يكون تفرق الأمة وتسلط بعضها على بعض أمرا لازما، ودائما وعاما، يشمل كل الأزمنة، وكل الأمكنة، وكل الأحوال إلى يوم القيامة.

وإلا لم يكن هناك معنى لقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) (آل عمران: 103).

ولا لقوله عز وجل: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) (آل عمران: 105).

ولا لقوله سبحانه: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) (سورة الأنفال: 46).

ولا لقوله جل شأنه: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) (سورة الصف: 4).

ولا لقوله عز من قائل: (ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، كل حزب بما لديهم فرحون) (سورة الروم: 31-32).

ولا لقوله: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) (سورة المؤمنين: 52).

ولا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا".

ولا لقوله عليه الصلاة والسلام: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا".

وقوله: "ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر".

وقوله: "لا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا".

إلى غير ذلك من نصوص القرآن والحديث التي أمرت بالاتحاد والائتلاف، ونهت عن التفرق والاختلاف والتي أوجبت على المسلمين أن يكون لهم إمام واحد، وأن لا يبايعوا لخليفتين في وقت واحد، وأن يقاوموا من يريد أن يفرق كلمتهم وأمرهم جميع.. الخ.

ولو كان التفرق قدرا مفروضا على الأمة بصورة عامة ودائمة لكانت هذه الأوامر والنواهي عبثا، لأنها تأمر بما لا يمكن وقوعه، وتنهى عما يستحيل اجتنابه.

والأحاديث التي أخبرت بأن الله لم يسلط على الأمة عدوا من غيرها يقوض بنيانها، ويأتي عليه من القواعد، وإنما تركها لأنفسها، وجعل بأسها بينها ـ لم تخبر بأن هذا أمر واقع في كل بقعة من أرض الإسلام، وفي كل عصر من العصور.

إنما هو داء وبيل تصاب به الأمة كلما تهيأت أسبابه، ولم تتحصن منه بما ينبغي، كما يصاب الفرد بالمرض إذا أهمل الوقاية، أو قصر في العلاج.

وقد يقع في مكان دون مكان، وفي زمان دون زمان، وبين قوم معينين دون غيرهم، ويكفي مثل هذا ليصدق الخبر النبوي.

وقد جاء في بعض الأحاديث، أن جعل بأس الأمة بينها يكون عقوبة من الله لها على انحرافها عن شرعه وكتابه، ولا سيما أئمتها ورؤساؤها. كما جاء في حديث ابن عمر مرفوعا: "وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم".

على أن ما أنذرت به الأحاديث المذكورة من جعل بأس الأمة بينها يمكن أن يفسر بما وقع بالفعل في بعض الأزمنة السابقة، كما وقع في عهد الصحابة أنفسهم من الفتن، وما وقع في عهود من بعدهم، في العصر الأموي ثم في العصر العباسي، مما مهد لدخول الصليبيين من الغرب، والتتار من الشرق، إلى دار الإسلام، والسيطرة على أجزاء منها مدة من الزمان.

وقد بشرت أحاديث أخرى بأن الإسلام ستعلو كلمته، وأنه سيدخل أوروبا مرة أخرى، بعد أن طرد منها مرتين، وأنه سيفتح (رومية) كما فتح من قبل (القسطنطينية) وأنه لا يبقى بيت مدر أو وبر إلا أدخله الله هذا الدين، الذي سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، ومعلوم أن هذا كله لا يمكن أن يتم والأمة ممزقة يضرب بعضها رقاب بعض، إنما يتم ذلك حين تتوحد الكلمة على الإسلام، وتمضي الأمة تحت راية الإيمان.

إلى الأعلى

حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة:

أما حديث افتراق الأمة إلى فرق فوق السبعين كلها في النار إلا واحدة، ففيه كلام كثير في ثبوته وفي دلالته.

أ- فأول ما ينبغي أن يعلم هنا أن الحديث لم يرد في أي من الصحيحين، برغم أهمية موضوعه، دلالة على أنه لم يصح على شرط واحد منهما.

وما يقال من أنهما لم يستوعبا الصحيح، فهذا مسلم، ولكنهما حرصا أن لا يدعا بابا مهما من أبواب العلم إلا ورويا فيه شيئا ولو حديثا واحدا.

ب- إن بعض روايات الحديث لم تذكر أن الفرق كلها في النار إلا واحدة، وإنما ذكرت الافتراق وعدد الفرق فقط. وهذا هو حديث أبي هريرة الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وفيه يقول:

"
افترقت اليهود على إحدى ـ أو اثنتين ـ وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى ـ أو اثنتين ـ وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة".

والحديث ـ وإن قال فيه الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان والحاكم ـ مداره على محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، ومن قرأ ترجمته في "تهذيب التهذيب"، علم أن الرجل متكلم فيه من قبل حفظه، وإن أحدا لم يوثقه بإطلاق وكل ما ذكروه أنهم رجحوه على من هو أضعف منه. ولهذا لم يزد الحافظ في التقريب على أن قال: صدوق له أوهام. والصدق وحده في هذا المقام لا يكفي ما لم ينضم إليه الضبط، فكيف إذا كان معه أوهام؟؟‍!

ومعلوم أن الترمذي وابن حبان والحاكم من المتساهلين في التصحيح، وقد وصف الحاكم بأنه واسع الخطو في شرط التصحيح.

وهو هنا صحح الحديث على شرط مسلم، باعتبار أن محمد بن عمرو احتج به مسلم، ورده الذهبي بأنه لم يحتج به منفردا، بل بانضمامه إلى غيره (1/6). على أن هذا الحديث من رواية أبي هريرة ليس فيه زيادة: أن الفرق "كلها في النار إلا واحدة" وهي التي تدور حولها المعركة.

وقد روي الحديث بهذه الزيادة من طريق عدد من الصحابة: عبد الله بن عمرو، ومعاوية، وعوف بن مالك وأنس، وكلها ضعيفة الإسناد، وإنما قووها بانضمام بعضها إلى بعض.

والذي أراه أن التقوية بكثرة الطرق ليست على إطلاقها، فكم من حديث له طرق عدة ضعفوه، كما يبدو ذلك في كتب التخريج، والعلل، وغيرها! وإنما يؤخذ بها فيما لا معارض له، ولا إشكال في معناه.

وهنا إشكال أي إشكال في الحكم بافتراق الأمة أكثر مما افترق اليهود والنصارى من ناحية، وبأن هذه الفرق كلها هالكة وفي النار إلا واحدة منها. وهو يفتح بابا لأن تدعى كل فرقة أنها الناجية، وأن غيرها هو الهالك، وفي هذا ما فيه من تمزيق للأمة وطعن بعضها في بعض، مما يضعفها جميعا، ويقوي عدوها عليها، ويغريه بها.

ولهذا طعن العلامة ابن الوزير في الحديث عامة، وفي هذه الزيادة خاصة، لما تؤدي إليه من تضليل الأمة بعضها لبعض، بل تكفيرها بعضها لبعض.

قال رحمه الله في "العواصم" وهو يتحدث عن فضل هذه الأمة، والحذر من التورط في تكفير أحد منها، قال: وإياك والاغترار بـ "كلها هالكة إلا واحدة" فإنها زيادة فاسدة، غير صحيحة القاعدة، ولا يؤمن أن تكون من دسيس الملاحدة.

قال: وعن ابن حزم: إنها موضوعة، عير موقوفة ولا مرفوعة، وكذلك جميع ما ورد في ذم القدرية والمرجئة والأشعرية، فإنها أحاديث ضعيفة غير قوية.

ج- إن من العلماء قديما وحديثا من رد الحديث من ناحية سنده، ومنهم من رده من ناحية متنه ومعناه.

فهذا أبو محمد بن حزم، يرد على من يكفر الآخرين بسبب الخلاف في الاعتقاديات بأشياء يوردونها.

وذكر من هذه الأشياء التي يحتجون بها في التكفير حديثين يعزونهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هما:

1. "
القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة".

2. "
تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة، كلها في النار حاشا واحدة، فهي في الجنة".

قال أبو محمد: هذان حديثان لا يصحان أصلا من طريق الإسناد، وما كان هكذا فليس حجة عند من يقول بخبر الواحد، فكيف من لا يقول به؟

وهذا الإمام اليمني المجتهد، ناصر السنة، الذي جمع بين المعقول والمنقول، محمد بن إبراهيم الوزير يقول في كتابه "العواصم والقواصم" أثناء سرده للأحاديث التي رواها معاوية رضي الله عنه، فكان منها (الحديث الثامن): حديث افتراق الأمة إلى نيف وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا فرقة واحدة، قال: وفي سنده ناصبي، فلم يصح عنه، وروى الترمذي مثله من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال: حديث غريب. ذكره في الإيمان من طريق الإفريقي واسمه عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن يزيد عنه.

وروى ابن ماجه مثله عن عوف بن مالك، وأنس.

قال: وليس فيها شيء على شرط الصحيح، ولذلك لم يخرج الشيخان شيئا منها. وصحح الترمذي منها حديث أبي هريرة من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، وليس فيه "كلها في النار إلا فرقة واحدة" وعن ابن حزم: أن هذه الزيادة موضوعة ذكر ذلك صاحب "البدر المنير".

وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى في سورة الأنعام (أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض)، وقد ورد في الحديث المروي من طرق عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا واحدة" ولم يزد على ذلك فلم يصفه بصحة ولا حسن، رغم أنه أطال تفسير الآية بذكر الأحاديث والآثار المناسبة له.

وذكر الإمام الشوكاني قول ابن كثير في الحديث ثم قال: قلت: أما زيادة "كلها في النار إلا واحدة" فقد ضعفها جماعة من المحدثين، بل قال ابن حزم: إنها موضوعة.

على أن الحديث ـ وإن حسنه بعض العلماء كالحافظ ابن حجر، أو صححه بعضهم كشيخ الإسلام ابن تيمية بتعدد طرقه ـ لا يدل على أن هذا الافتراق بهذه الصورة وهذا العدد، أمر مؤيد ودائم إلى أن تقوم الساعة، ويكفي لصدق الحديث أن يوجد هذا في وقت من الأوقات.

فقد توجد بعض هذه الفرق، ثم يغلب الحق باطلها، فتنقرض ولا تعود أبدا.

وهذا ما حدث بالفعل لكثير من الفرق المنحرفة، فقد هلك بعضها، ولم يعد لها وجود.

ثم إن الحديث يدل على أن هذه الفرق كلها جزء من أمته صلى الله عليه وسلم أعني أمة الإجابة المنسوبة إليه، بدليل قوله: "تفترق أمتي" ومعنى هذا أنها ـ برغم بدعتها ـ لم تخرج عن الملة، ولم تفصل من جسم الأمة المسلمة.

وكونها (في النار) لا يعني الخلود فيها كما يخلد الكفار، بل يدخلونها كما يدخلها عصاة الموحدين.

وقد يشفع لهم شفيع مطاع من الأنبياء أو الملائكة أو آحاد المؤمنين وقد يكون لهم من الحسنات الماحية أو المحن والمصائب المكفرة، ما يدرأ عنهم العذاب.

وقد يعفو الله عنهم بفضله وكرمه، ولا سيما إذا كانوا قد بذلوا وسعهم في معرفة الحق، ولكنهم لم يوفقوا وأخطئوا الطريق، وقد وضع الله عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه

.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى : 

_
ولما كثر اختلاف الناس في مسائل الدين وكثر تفرقهم كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم وكل منهم يظهر أنه يبغض لله وقد يكون في نفس الأمر معذورا وقد لا يكون معذورا بل يكون متبعا لهواه مقصرا في البحث عن معرفة ما يبغض عليه 
_ 
فإن كثيرا من البغض كذلك إنما يقع لمخالفة متبوع يظن أنه لا يقول إلا الحق وهذا الظن خطأ قطعا وإن أريد أنه لا يقول إلا الحق فيما خولف فيه فهذا الظن قد يخطئ ويصيب 
_
وقد يكون الحامل على الميل مجرد الهوى أو الإلف أو العادة ، وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله 
_
فالواجب على المؤمن أن ينصح لنفسه ويتحرز في هذا غاية التحرز وما أشكل منه فلا يدخل نفسه فيه خشية أن يقع فيما نهى عنه من البغض المحرم 
_ ** _ 
وهاهنا أمر خفي ينبغي التفطن له وهو 
أن كثيرا من أئمة الدين قد يقول قولا مرجوحا ويكون مجتهدا فيه مأجورا على اجتهاده فيه ، موضوعا عنه خطؤه فيه ، ولا يكون المنتصر لمقالته تلك بمنزلته في هذه الدرجة ، لأنه قد لا ينتصر لهذا القول إلا لكون متبوعه قد قاله ، بحيث لو أنه قد قاله غيره من أئمة الدين لما قبله ولا انتصر له ولا والى من يوافقه ولا عادى من خالفه ، ولا هو مع هذا يظن أنه إنما انتصر للحق بمنزلة متبوعه ، وليس كذلك ، فإن متبوعه إنما كان قصده الانتصار للحق وإن أخطأ في اجتهاده ، وأما هذا التابع فقد شاب انتصاره لما يظنه الحق إرادة علو متبوعه وظهور كلمته وأنه لا ينسب إلى الخطأ


قال ابن القيِّم رحمه الله تعالى في كتابه القيِّم " الصَّواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة "
السبب الثَّالث : ( من أسباب قبول التَّأويل ) وإن كان كلامه رحمه الله عن أهل التَّجهم والتَّحريف للآيات ، إلا أنَّه ينطبق على كثير من البدع والضَّلالات والأخطاء التي ينشرها البعض ، فيبدأ بعض الجهَّال من المتعصبين بالانتصار لها لأن ذلك الملبِّس أورد اسم الشَّيخ المعظَّم فيها لييبهر به أعينهم .

قال رحمه الله ، السبب الثالث
أن يعزو المتأول تأويله وبدعته إلى جليل القدر نبيه الذكر من العقلاء أو من آل البيت النبوي أو من حل له في الأمة ثناء جميل ولسان صدق ليحليه بذلك في قلوب الأغمار والجهال فإن من شأن الناس تعظيم كلام من يعظم قدره في نفوسهم وأن يتلقوه بالقبول والميل إليه وكلما كان ذلك القائل أعظم في نفوسهم كان قبولهم لكلامه أتم حتى إنهم ليقدمونه على كلام الله ورسوله ويقولون هو أعلم بالله ورسوله منا
وبهذه الطريق توصل الرافضة والباطنية والإسماعيلية والنصيرية إلى تنفيق باطلهم وتأويلاتهم حتى أضافوها إلى أهل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما علموا أن المسلمين متفقون على محبتهم وتعظيمهم وموالاتهم وإجلالهم فانتموا إليهم وأظهروا من محبتهم وموالاتهم واللهج بذكرهم وذكر مناقبهم ما خيل إلى السامع أنهم أولياؤهم وأولى الناس بهم ثم نفقوا باطلهم وإفكهم بنسبته إليهم فلا إله إلا الله كم من زندقة وإلحاد وبدعة وضلالة قد نفقت في الوجود بنسبتها إليهم وهم براء منها براءة الأنبياء من التجهم والتعطيل وبراءة المسيح من عبادة الصليب والتثليث وبراءة رسول الله من البدع والضلالات
وإذا تأملت هذا السبب رأيته هو الغالب على أكثر النفوس وليس معهم سوى إحسان الظن بالقائل بلا برهان من الله ولا حجة قادتهم إلى ذلك وهذا ميراث بالتعصيب من الذين عارضوا دين الرسل بما كان عليه الآباء والأسلاف فإنهم لحسن ظنهم بهم وتعظيمهم لهم آثروا ما كانوا عليه على ما جاءتهم به الرسل وكانوا أعظم في صدورهم من أن يخالفوهم ويشهدوا عليهم بالكفر والضلال وإنهم كانوا على الباطل وهذا شأن كل مقلد لمن يعظمه فيما خالف فيه الحق إلى يوم القيامة
__________________

قال ابن الجوزي رحمه الله في " صيد الخاطر " ، في كلام له عن انحراف الصُّوفيَّة ( ص 54 _ 60 ) ت : الطنطاوي 
وقد نقلت مواضع منه 
قال رحمه الله : 
1- 
فجاء أقوام، فأظهروا التزهد ، وابتكروا طريقة زينها لهم الهوى ، ثم تطلبوا لها الدليل .
وإنما ينبغي للإنسان أن يتبع الدليل لا أن يتبع طريقاً ويطلب دليلها.
ثم انقسموا: فمنهم، متصنع في الظاهر، ليث الشرى في الباطن.
يتناول في خلواته الشهوات، وينعكف على اللذات. ويري الناس بزيه أنه متصوف متزهد، وما تزهد إلا القميص وإذا نظر إلى أحواله فعنده كبر فرعون.
ومنهم: سليم الباطن، إلا أنه في الشرع جاهل.
ومنهم: من تصدر، وصنف، فاقتدى به الجاهلون في هذه الطريقة، وكانوا كعمي اتبعوا أعمى.
ولو أنهم تلمحوا للأمر الأول ، الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ، لما ذلوا .
ولقد كان جماعة من المحققين ، لا يبالون بمعظم في النفوس إذا حاد عن الشريعة ، بل يوسعونه لوماً.
فنقل عن أحمد أنه قال له المروزي: ما تقول في النكاح ؟ 
فقال: سنة النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: فقد قال إبراهيم. قال: فصاح بي وقال: جئتنا ببنيات الطريق ؟ 
وقيل له: إن سريا السقطي قال: لما خلق الله تعالى الحروف، وقف الألف وسجدت الباء . 
فقال: نَفِّرُوا الناسَ عَنْهُ.
واعلم أن المحقق لا يهوله اسم معظم 
كما قال رجل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير ، كانا على الباطل ؟ 
فقال له: إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله.
ولعمري إنه قد وقر في النفوس تعظيم أقوام ، فإذا نقل عنهم شيء فسمعه جاهل بالشرع قبله ، لتعظيمهم في نفسه.
كما ينقل عن أبي يزيد رضي الله عنه، أنه قال: تراعنت علي نفسي فحلفت لا أشرب الماء سنة.
وهذا إذا صح عنه، كان خطأ قبيحا ً، وزلة فاحشة ، لأن الماء ينفذ الأغذية إلى البدن ، ولا يقوم مقامه شيء ، فإذا لم يشرب فقد سعى في أذى بدنه ، وقد كان يستعذب الماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
أفترى هذا فعل من يعلم أن نفسه ليست له، وأنه لا يجوز التصرف فيها إلا عن إذن مالكها...

2- 
واسمع مني بلا محاباة ، لا تحتجن علي بأسماء الرجال، فتقول: قال بشر، وقال إبراهيم بن أدهم، فإن من احتج بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رضوان الله عليهم - أقوى على أن لأفعال أولئك وجوهاً نحملها عليهم بحسن الظن ...

3- 
ومن تأمل هذه الأشياء، علم أن فقيهاً واحداً - وإن قل أتباعه ، وخفت إذا مات أشياعه - أفضل من ألوف تتمسح العوام بهم تبركاً ، ويشيع جنائزهم ما لا يحصى .
وهل الناس إلا صاحب أثر نتبعه ، أو فقيه يفهم مراد الشرع ويفتي به ؟.
نعوذ بالله من الجهل، وتعظيم الأسلاف تقليداً لهم بغير دليل !.
فإن من ورد المشرب الأول، رأى سائر المشارب كدرة ، والمحنة العظمى مدائح العوام، فكم غرت ... !!.
كما قال علي رضي الله عنه: ما أبقى خفق النعال وراء الحمقى من عقولهم شيئاً.

قال الإمام أبو بكر الخطيب البغدادى حين تصدى لبيان أوهام أكابر علماء الأمة حقا ، فى مقدمة (( موضح أوهام الجمع والتفريق )) :
((
 ولعلَّ بعضَ من ينظرُ فيما سطرنَاهُ، ويقفُ على ما لكتابنا هذا ضَمَّنَّاهُ؛ يلحقُ سيءَ الظنِّ بنا، ويرى أنَّا عمدنا للطعنِ على من تَقَدَّمَنَا، وإظهارِ العيبِ لكُبَرَاءِ شُيُوخِنَا، وَعُلماءِ سَلَفِنَا! 
وأَنَّى يكونُ ذلكَ وبهم ذُكِرْنَا، وبِشُعَاعِ ضِيَائِهِم تَبَصَّرنَا، وباقتِفَائِنَا واضحَ رُسُوْمِهِم تَمَيَّزنَا، وبسلوكِ سَبِيْلِهِم عن الهَمَجِ تَحَيَّزْنَا. 
وما مثلهم ومثلنا إلا ما ذكر أبو عمرو بن العلاء؛ فيما أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر المقرئ أخبرنا أبو طاهر عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم حدثنا محمد بن العباس اليزيدي حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال قال أبو عمرو : (( مَا نَحْنُ فِيمَن مَضَى إِلاَّ كَبَقْلٍ فِي أُصُوْلِ نَخْلٍ طـوَالٍ )) 
ولما جعل الله تعالى في الخلق أعلاماً، ونصب لكل قوم إماماً؛ لزم المهتدين بمبين أنوارهم، والقائمين بالحق في اقتفاء آثارهم، ممن رزق البحث والفهم، وإنعام النظر في العلم بيان ما أهملوا، وتسديد ما أغفلوا، إذ لم يكونوا معصومين من الزلل، ولا آمنين من مفارقة الخطأ والخطل، وذلك حق العالم على المتعلم، وواجب على التالي للمتقدم. " اهـ 
ويقول شيخ الإسلام 
وَأَيْضًا فَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُخْبِرُ عَنْ هَذِهِ الْفِرَقِ بِحُكْمِ الظَّنِّ وَالْهَوَى فَيَجْعَلُ طَائِفَتَهُ -وَالْمُنْتَسِبَةَ إلَى مَتْبُوعِهِ الْمُوَالِيَةَ لَهُ - هُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ؛ وَيَجْعَلُ مَنْ خَالَفَهَا أَهْلَ الْبِدَعِ . وَهَذَا ضَلَالٌ مُبِينٌ . 
فَإِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ لَا يَكُونُ مَتْبُوعُهُمْ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى فَهُوَ الَّذِي يَجِبُ تَصْدِيقُهُ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ ؛ وَطَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ بَلْ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 
فَمَنْ جَعَلَ شَخْصًا مِنْ الْأَشْخَاصِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحَبَّهُ وَوَافَقَهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَنْ خَالَفَهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالْفُرْقَةِ - كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الطَّوَائِفِ مِنْ اتِّبَاعِ أَئِمَّةٍ فِي الْكَلَامِ فِي الدِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ - كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ وَالتَّفَرُّقِ . 
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِأَنْ تَكُونَ هِيَ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ ؛ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ مَتْبُوعٌ يَتَعَصَّبُونَ لَهُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهْم أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَقْوَالِهِ وَأَحْوَالِهِ وَأَعْظَمُهُمْ تَمْيِيزًا بَيْنَ صَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا وَأَئِمَّتُهُمْ فُقَهَاءُ فِيهَا وَأَهْلُ مَعْرِفَةٍ بِمَعَانِيهَا وَاتِّبَاعًا لَهَا : تَصْدِيقًا وَعَمَلًا وَحُبًّا وَمُوَالَاةً لِمَنْ وَالَاهَا وَمُعَادَاةً لِمَنْ عَادَاهَا 
الَّذِينَ يَرْوُونَ الْمَقَالَاتِ الْمُجْمَلَةَ إلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ؛ فَلَا يُنَصِّبُونَ مَقَالَةً وَيَجْعَلُونَهَا مِنْ أُصُولِ دِينِهِمْ وَجُمَلِ كَلَامِهِمْ إنْ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ بَلْ يَجْعَلُونَ مَا بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي يَعْتَقِدُونَهُ وَيَعْتَمِدُونَهُ

 قال الذهبيُّ ـ رحمه الله ـ في السير (28 / 62 ) :
( .. قُلْتُ : مَا يَتَقَيَّدُ بِمَذْهَبٍ وَاحِدٍ إِلاَّ مَنْ هُوَ قَاصِرٌ فِي التَّمَكُّنِ مِنَ العِلْمِ ؛ كَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ زَمَانِنَا، أَوْ مَنْ هُوَ مُتعصبٌ ..) .
وذكرَ الذهبيُّ في السير (31 / 59) في ترجمة أبي عليٍّ النيسابوري :
( .. قَالَ الخَلِيْلِيُّ : سَمِعْتُ الحَاكِمَ يَقُوْلُ : لَسْتُ أَقُولُ تعصُّباً ؛ لأَنَّه أُستَاذِي - يَعْنِي:أَبَا عَلِيٍّ - وَلَكِنْ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ..) ..
وقال شيخُ الإسلام :
( ... وقد قلت ـ فيما مضى ـ : ما ينبغي لأحد أن يحملَه تحنّنُه لشخصٍ وموالاتُه له على أن يتعصبَ معه بالباطل أو يعطل لأجله حدود الله تعالى !.... )
وقال أيضاً :
( ... وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية أهل الحديث والسنة الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله وهم اعلم الناس بأقواله وأحواله وأعظمهم تمييزا بين صحيحها وسقيمها وأئمتهم فقهاء فيها وأهل معرفة بمعانيها واتباعا لها تصديقا وعملا وحبا وموالاة لمن والاها ومعاداة لمن عاداها ...)
وقال أيضاً :
( ... وأما التعصبُ لأمرٍ من الامورِ بلا هدى من الله ؛ فهو من عمل الجاهلية ، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ...)
وقال أيضاً كلاماً رائعاً ـ رحمهُ الله ـ :

( ... وإذا كان الرجلُ متبعاً لأبى حنيفةَ أو مالكٍ أو الشافعي أو أحمدَ ، ورأى فى بعض المسائل أن مذهبَ غيره أقوى ؛ فاتبعه كان قد أحسن فى ذلك ، ولم يقدح ذلك فى دينه ولا عدالته بلا نزاع . 
بل هذا أولى بالحق ، وأحب إلى الله ورسوله ممن يتعصب لواحد معين غير النبى  ، كمن يتعصب لمالك أو الشافعي أو أحمد أو أبي حنيفة ويرى أن قول هذا المعين هو الصواب الذى ينبغى إتباعه دون قول الإمام الذى خالفه .. ) !


ثم غاية المتعصب لواحد منهم أن يكون جاهلا بقدره فى العلم والدين وبقدر الآخرين فيكون جاهلا ظالما والله يأمر بالعلم والعدل وينهى عن الجهل والظلم...)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية 
"
وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته، ويوالي ويعادي عليها غير النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينصب لهم كلاماً يوالي عليه ويعادي غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصاً أو كلاماً يفرقون به بين الأمة، يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون ".


مفاسد التعصب

نصوص كثيرة ردت وهي في غاية الوضوح ... من أجل ماذا ؟ وما الذي حملهم على ردها أو تأويلها أو تحريفها ؟ إنما هو ذلكم الداء المقيت داء التعصب والعصبية العمياء ، والعياذ بالله وقد ذكر بعض العلماء ومنهم ابن القيم المفاسد التي تردى فيها المتعصبون للمذاهب فقال منها :

أولا : مخالفة النصوص الثابتة من الكتاب والسنة تعصبا للمذاهب ، وتقديم الرأي المحض أحيانا عليها .
ثانيا : كثرة الأحاديث الضعيفة والموضوعة والاحتجاج بها واستنباط الأحكام منها، حملهم التعصب وبعضهم يكذب ويفتري نصرة لمذهبه ، وكتب مصطلح الحديث فيها أمثلة من هذه النماذج لهؤلاء المتعصبين .
ثالثا : تقديم أقوال العلماء المتأخرين على أقوال الأئمة المتقدمين ، وقد أنحى أبو شامة في كتابه المؤمل باللائمة على أهل مذهبه الشافعية ، قال : إن الشافعية الأولين كانوا يتعصبون لأقوال أئمتهم لكن يأخذون من قول المزني وقول غيره وقد يردون أقوال بعض الصحابة وبعض التابعين ثم جاء المتأخرون فردوا كلام المزني وغيره وتعلقوا بكلام الغزالي وأمثاله وأنحى عليهم باللائمة في الكتاب وبين ما تردت إليه أوضاعهم وأحوالهم التي جرهم إليها التعصب الأعمى، والعياذ بالله.
رابعا : الانحباس في مذهب واحد وعدم الاستفادة من علم المذاهب الأخرى وجهود رجالها وكتبها تعصبا لمذهب معين .
خامسا : خلو كثير من الكتب المذهبية من الأدلة الشرعية ، ورغبة كثير عن دراسة الكتاب والسنة الى هذه الكتب .
سادسا : شيوع التقليد والجمود وإقفال باب الاجتهاد .
وقد اختلفت دعوى إقفال باب الاجتهاد متى كان هذا الإقفال ؟
فمنهم من يقول على رأس المائتين أغلق باب الاجتهاد ، ومنهم من يقول على رأس الأربعمائة ، ومنهم من يقول أغلق باب الاجتهاد على أحمد بن حنبل ، إلى آخر الأقوال القائمة على الجهل والهوى والتي دفع إليها التعصب الأعمى ، وإلا فكتاب الله هذا الكتاب الخالد كيف يقصر فهمه على أناس معينين وتقصر فائدته إلى أمد قصير ؟ ثم تعطل العقول ويضرب الله عليها الأقفال حتى لا يفهم الناس شيئا من دين الله تبارك وتعالى .
هذه دعوى إغلاق باب الاجتهاد مآلها أن حطم العقل الإسلامي ووقف سير المد الإسلامي في الفتوحات وفي العلوم الإسلامية نفسها وجنى على الأمة الإسلامية جناية خطيرة مما جعلها في مؤخرة الأمم .
إن أعداء الإسلام قد سخروا هذا الطاقات العقلية في مصالحهم فاخترعوا من المخترعات ما تعرفونه وما هو موجود الآن بين أيدينا ، فمنها السيارات ومنها الصواريخ ومنها آلات الزراعة وآلات الصناعة وآلات الحرب وأشياء لا حد لها، كيف يمنح الله أعداء الإسلام من يهود ونصارى وشيوعيين هذه العقول الجبارة فتخترع هذه الاختراعات المذهلة ثم يغلق الله على قلوبنا ويجعل عليها أقفالاً فلا نفهم كتاب الله ولا نفهم سنة رسول الله ولا نفهم شيئاً من أمور الحياة ؟ .
إنها لجناية كبيرة على الأمة الإسلامية سببت من الآثار الخطيرة المدمرة في حياة المسلمين ما يعيشونه الآن من تخلف فكري وعقلي في ميادين الدين والدنيا، نسأل الله تبارك وتعالى أن ينجد المسلمين ، وأن يغيثهم من هذه الكبوة وهذه الهوة التي وقعوا فيها ، وأن يهيئ لهم دعاة مخلصين لينقذوهم من هذا البلاء المدمر الذي ما هو إلا ثمرة من ثمار التعصب الأعمى والجمود أدى بهم إلى أشياء مضحكة كأن يتمسك الإنسان بجملة من النص ويحتج بها ويكون في الحديث جملة أخرى تدل على شيء يخالف مذهبه فيأخذ بما يوافق مذهبه من هذا النص المعين ويرد من هذا النص ما يخالف مذهبه .
سابعا : التشدد في بعض المسائل مما فيه عنت كبير على الناس ومما يجر عليهم وسوسة وما شابه ... تجدون ذلك في النية مثلاً.
حتى إنك لتقف في كثير من المساجد فلا تهنأ بالصلاة ولا تستحضر عظمة الله ولا تستطيع الخشوع فيها لأن بجانبك من يوسوس "الله أكبر ... الله أكبر ـ يزيد التكبير عشرات المرات ـ نويت نويت نويت" فهذه المذهبية والتعصب العقائدي والتعصب المذهبي ولهم ردود ومؤلفات كثيرة وممن تكلم عن هذا البلاء الخطير وعما انحدر عليه المتعصبون للمذاهب الفخر الرازي عند تفسير قوله تعالى(( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم و ما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يشركون )) (1).
قال عند تفسير هذه الآية عن أحد شيوخه المحققين "قرأت عليهم آيات كثيرة من كتاب الله في بعض المسائل وكانت مذاهبهم بخلاف تلك الآيات .. فلم يلتفتوا إلهيا وبقوا ينظرون إلي كالمتعجب ، يعنى كيف يمكن العمل بظاهر هذه الآيات مع أن الرواية عن سلفنا وردت بخلافها(2).
هذه من أئمة الشافعية يشهد على أناس من أهل المذاهب أنهم يردون آيات قرآنية وإذا احتج الإنسان بالآيات يبهتون ويقفون مشدوهين كيف يمكن العمل بهذه الآيات وهي تخالف مذهبنا ؟ فهذا الرازي منتم لمذهب الشافعي لكن لا ينحدر به التعصب الأعمى إلى المنحدر الذي يهوى إليه كثير من المتعصبين . كذلك أبو شامة والنووي وابن حجر يعالجون بعض هذه القضايا .
أما ابن القيم رحمه الله وغيره فقد كتبوا في ذلك المؤلفات ، وما كتاب (إعلام الموقعين) للإمام ابن القيم ـ في أربعة مجلدات ـ إلا علاج لهذا البلاء الخطير ، بلاء التعصب الأعمى والتقليد الأعمى .
قال الفخر الرازي : (ولو تأملت حق التأمل لوجدت هذا الداء ساريا في عروق الأكثر من أهل الدنيا داء التعصب للمذاهب وللرأي وللفكر وللسياسة وللحزب سار في أكثر الناس ـ وكيف لو رأى وعايش وعاصر هذا الوقت ورأى فيه العجائب مما هو أدهى وأمر مما كان حاصلاً في عهده ؟
وقال بعد ذلك : ليس المراد من الآيات أنهم اعتقدوا فيهم أنهم آلهة العالم ، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم ، ثم ذكر أوجهاً ثلاثة أخرى وقال : وكل هذه الوجوه الأربعة مشاهد وواقع في هذه الأمة) (3) أهـ .
وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لعدي بن حاتم حينما دخل عليه وهو يتلو : (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم ….)) الآية فقال يا رسول الله : (لسنا نعبدهم ، قال : أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه ؟ قال : بلى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : فتلك عبادتهم(4).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى قوله تعالى : ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)) وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله يكونون على وجهين :
الأول : أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على هذا التبديل فيعتقدون تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهو كفر ، وقد جعله الله ورسوله شركاً ، وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم فكان من أتبع غيره في خلاف الدين ، مع علمه أنه خلاف للدين واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله ، مشركا مثل هؤلاء .
الثاني : أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحرام وتحليل الحلال ثابتاً . لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب ، كما قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إنما الطاعة في المعروف)(5).
ثم ذلك المحرم للحلال والمحلل للحرام إن كان مجتهداً قصده اتباع الرسل لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر وقد اتقى الله ما استطاع فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه .
ولكن من علم أن هذا أخطأ فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ثم اتبعه على خطئه وعدل عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمه الله ، لاسيما إن اتبع في ذلك هواه ونصره باليد واللسان ، مع علمه أنه مخالف للرسول صلى الله عليه وسم فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه .
ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلافه ، وإنما تنازعوا في جواز التقليد للقادر على الاستدلال وإن كان عاجزاً عن إظهار الحق الذي يعلمه فهذا يكون كمن عرف أن دين الإسلام حق وهو بين النصارى فإذا فعل ما يقدر عليه من الحق لا يؤاخذ بما عجز عنه وهؤلاء كالنجاشي وغيره.
وأما من قلد شخصاً دون نظيره بمجرد هواه ، ونصره بيده ولسانه من غير علم أن معه الحق فهذا من أهل الجاهلية ، وإن كان متبوعه مصيباً لم يكن عمله صالحاً ، وإن كان متبوعه مخطئاً كان آثماً . أهـ .
يعنى حتى لو كان متبوعه على الحق وهو تابعه بغير حجة ولا برهان فقط لأنه فلان . هذا آثم وإن كان متبوعه على الحق فيجب أن يتجرد الإنسان لله ويبحث عن الحق ويتبع أهله وينصر هذا الحق وينصر أهله ، هذا هو المطلوب من المؤمن .
وقد شاع التفرق والتحزب في هذا العصر المليء بالفتن والمكتظ بالكوارث وهو أمر خطير على الأمة في دينها ودنياها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"
وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا مايلقي بينهم العداوة والبغضاء بل يكونون مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى كما قال تعالى :((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) (6). وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهداً بموافقته على كل ما يريده وموالاة من يواليه ومعاداة من يعاديه، بل من فعل هذا كان من جنس جنكيز خان وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقا ولياً ومن خالفهم عدواً بغيضاً . بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله بأن يطيعوا الله ورسوله ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله ويحرموا ما حرم الله ورسوله ويرعوا حقوق المعلمين كما أمر الله ورسوله ، فإن كان أستاذ أحد مظلوماً نصره وإن كان ظالما لم يعاونه على الظلم بل يمنعه منه ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (انصر أخاك ظالما أو مظلوما)(7).
وهذا يكاد ينعدم الآن في الجماعات الإسلامية ينصر أخاه ظالماً أو مظلوماً على المنهج والطريق الجاهلي مع الأسف الشديد ! وهذا أمر معروف لاشك ، ولكن علينا أن نتوب إلى الله تبارك وتعالى ونرجع إلى هذا الحق الذي ربانا عليه رسول الله ، والذي يريده الله تباك وتعالى لنا أن نكون محبين للحق مناصرين له ، ثم قال بعد ذلك : فإن وقع بين معلم ومعلم وتلميذ وتلميذ ومعلم وتلميذ خصومة ومشاجرة لم يجز لأحد أن يعين أحدهما حتى يعلم الحق ، فلا يعاونه بجهل ولا بهوى بل ينظر في الأمر فإذا تبين له الحق أعان المحق منهما على المبطل سواء كان المحق من أصحابه أو أصحاب غيره ، وسواء كان المبطل من أصحابه أو أصحاب غيره ، فيكون المقصود عبادة الله وحده وطاعة رسوله واتباع الحق قال تعالى :(( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا)) (8). يقال : لوى يلوي لسانه فيخبر بالكذب ، والإعراض أن يكتم الحق فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس ، ومن مال مع صاحبه سواء كان الحق له أو عليه فقد حكم بحكم الجاهلية وخرج عن حكم الله ورسوله .
والواجب على جميعهم أن يكونوا يداً واحدة مع المحق على المبطل فيكون المعظم عندهم من عظمه الله ورسوله ، ويكون المقدم عندهم من قدمه الله ورسوله ، والمحبوب عندهم من أحبه الله ورسوله ، والمهان عندهم من أهانه الله ورسوله ، بحسب ما يرضى الله ورسوله لا بحسب الأهواء ، فإنه من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه .
فهذا هو الأصل الذي عليه الاعتماد وحينئذ فلا حاجة إلى تفرقهم وتشيعهم ، قال تعالى : ((إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء))(9). وقال تعالى :(( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات )) (10) أهـ كلام ابن تيمية رحمه الله(11).
فيجب على كل مسلم أن يفتش نفسه فقد يميل إنسان إلى صاحب الحق لهوى ، فقبل أن يتبين له الحق يتمنى أن يكون فلان هو المنتصر بالحجة أو غيرها فتميل نفسه لأنه فلان ، ولو كان على الحق لا يجوز أن يوجد هذا الميل، فيقول: إذا وجد هذا الميل ولو مع صاحب الحق يكون من حكم الجاهلية ، وهذا أمر لا يخطر بالبال عند كثير من الناس .
فيجب على المسلم أن يراقب الله في القضايا المختلف فيها ، وأن يكون قصده فقط معرفة الحق سواء مع هذا أو مع ذاك .
ومن هنا يقول الشافعي : "إذا دخلت في مناظرة لا أبالي إذا كان الحق مع صاحبي أو معي" فلا يبالي ولا يتمنى أن يكون الحق معه بل يتمنى أن يكون مع صاحبه وأن تكون النصرة له ، هذا هو الخلق العالي وهذا هو الدين المستقيم .
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذه النوعيات المنصفة الباحثة عن الحق، البعيدة عن الهوى وعن أساليب الجاهلية .
فالذي يلزمنا معشر الإخوة أن نفتش أنفسنا فمن وجد في نفسه شيئا من هذا المرض فعليه أن يتدارك نفسه ويقبل على العلاج الناجع ويبحث دائما على الحق لينجو بنفسه من وهدة التعصب الأعمى الذي قد يؤدي إلى الشرك بالله تبارك وتعالى أو يؤدي إلى الضلال الخطير .

هذه لمحات موجزة عن التعصب وما أدى ويؤدي إليه من نتائج وخيمة كفى الله الأمة الإسلامية شرها ووفقها للعودة إلى كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ومنهج سلفها الصالح ، وأخذ بناصيتها إلى كل خير ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

___________

الاثنين، 26 مايو 2014

النبوؤات التى ازعجت الغرب

نصوص من نبوءات نوستراداموس، من كتاب الطبيب الفرنسي: في الرسالة إلى هنري الثاني ورد ما نصّه: "وسوف تتم حملة جديدة، ما وراء البحر المتوسط لإنقاذ الأندلس، التي يُهدّدها النهوض الأول للمحمديين (إشارة للاستعمار الغربي للبلاد العربية). والمكان الذي كان به مسكن إبراهيم في الماضي البعيد (أي العراق) سوف تُهاجمه رسل المسيح (إشارة للعدوان الصليبي على العراق). ومدينة (سيشم) أي (فلسطين)، سوف تُحيط بها وتهاجمها من كل الجهات، جيوش غربية قوية جدا ستحد من قوة أساطيلهم.. وفي هذا الملك سوف يحدث حزن عظيم تقفر مدنه الكبرى (إشارة لاستلاب فلسطين). والذين يعودون إليها، أولئك الذين سيُمارس الله غضبه ضدهم (أي اليهود في فلسطين)، والمكان المُقدّس لن يؤوي بعد ذلك، سوى عدد صغير جدا من الكفار (يقصد المسلمين). وخلال كل هذا التقدير الكرونولوجي (الممتد طوليا عبر الزمن)، المُعاد إلى الكتابات المقدّسة، سيتولد اضطهاد رجال الكنيسة، من خلال تحالف قادة الشمال العسكريين (من قبل دول الاتحاد السوفييتي السابق، يأجوج ومأجوج)، وهذا الاضطهاد سيدوم 11 عاما غير مكتملة، وستسقط خلالها الدولة الشمالية الرئيسية (روسيا)، بعد أن تُنجز تلك السنوات من الاضطهاد، سيأتي حليفها الجنوبي (العرب)، الذي سيضطهد رجال الكنيسة على مدى ثلاثة أعوام وبقسوة أشدّ … إلى حدّ أن دم رجال الدين الحقيقيين سيسبح في كل مكان. وللمرة الأخيرة أيضا سترتجف كل الممالك المسيحية، وكذلك ممالك الكفار خلال 25 عاما، ستكون الحروب والمعارك أكثر دموية من أي وقت مضى، وسوف تُحرق المدن والقصور وكل المباني الأخرى، وسيتم هجرها وتدميرها، مع إهراق عظيم لدماء العذارى والأمهات والأرامل المغتصبات، والأطفال الرُضع الذين سيُرمى بهم على جدران المدن وتحطّم عظامهم (وصف لعقاب اليهود في فلسطين)، الكثير من الشرور سيتم ارتكابها بفعل الشيطان، الأمير الجهنمي، بحيث سيتعرّض كل العالم الكاثوليكي تقريبا للخراب والإبادة، وقبل أن تتم هذه الأحداث، ستدوي في الفضاء طيور غريبة (هي الطائرات).. وستختفي بعد قليل، بفعل الكارثة النهائية للعالم (الحرب العالمية النووية الثالثة).. ومن ثم ستقوم حقبة جديدة، عهد ذهبي سيأمر به الخالق.. وعندئذ سيبدأ بين الله والبشر سلام شامل (زمن عيسى عليه السلام)". وفي نهاية الفصل (11) من الكتاب يخلص المؤلف إلى القول: "كل الشرق إذن، سينتفض من جديد ضد الغرب، وحبره الأعظم الأخير بطرس الروماني (أمريكا)". وفي بدايات الفصل (14) على لسان المتنبئ: "من الشرق سيأتي العمل الغادر الذي سيُصيب إيطاليا وورثة رومولوس، بصحبة الأسطول الليبي.. ارتجفوا يا سكان (مالطا) والجزر القريبة المقفرة". حيث نجد أن المتنبئ يصف انتفاضة الشرق بالعمل الغادر، الذي سيطيح بإيطاليا وورثة الإمبراطورية الرومانية، ونجده يذكر (ليبيا) بالاسم مؤكدا انضمامها للتحالف الشرقي، مثيرا رعب الغربيين من هذا العمل الغادر. وفي الفصل (27) يقول المؤلف: "بمقدار ما نبتعد في المستقبل، يغدو من الصعوبة بمكان، أن نربط بين الأحداث، التي ستعيشها البشرية في انحدارها الأقصى. إلا أن التكرار المتواصل للتاريخ متشابه، وعلى شبكته المُتجدّدة باستمرار، يُمكن أن تُطرّز سلفا المعركة الأخيرة والمُخيفة، التي سيظفر بها الشرق البربري على الغرب المسيحي". هنا يلصق المؤلف صفة البربرية بالشرق، ويؤكد انتصار هذا الشرق المتوحش، على الغرب المسيحي المسالم والمتحضر. "مستفيدين من الانقسامات التي سيُثيرها المسيح الدجال، ومن الضعف والفوضى الناتجة عن مذاهبه، ينجح العرب والآسيويّون والمغول في اجتياح أوروبا، بعضهم عبر إيطاليا وإسبانيا كما هي العادة، والآخرون عبر القارة والجو، في حين تنهار فرنسا والكنيسة، ويتعرض البابا بالذات إلى الاغتيال وسط الفساد العام، تظهر ظواهر مرعبة في السماء". حيث نجد أن المتنبئ، يُحدّد في هذا النص ماهية الشعوب الشرقية التي يقصدها، ويضع العرب على رأس القائمة، ويؤكد نجاحهم في اجتياح معظم دول (أوروبا) برا وبحرا وجوا. "في عام الكسوفين الكاملين، من طرف لآخر طرف في العالم القديم، تحصل أمور غريبة: تظلم الشمس ويفقد القمر نوره، وضجيج البحر والموج، سيجعل الناس ييبسون رعبا، لأنه سيصل الطوفان التكفيري الجديد (عودة الخلافة الإسلامية)، ليختم فجأة العصر الذي بدأ مع زمن نوح". في هذا النص يُحدّد المتنبئ فلكيا نقطة البداية، لأحداث مسلسل الرعب الأخير الذي يصفه في كتابه، بكسوف كلي كبير للشمس (1999م)، متبوعا بخسوف كلي للقمر. يؤكد المؤلف على حتمية وقوع مواجهة أخيرة بين الغرب والشرق، ويؤكد على حتمية ظفر الشرق بها، وكنتيجة لهذه المواجهة ستنهار (فرنسا) ـ التي كانت تُمثل الدولة الصليبية العظمى آنذاك، في العصر الذي عاش فيه المتنبئ، أما الآن فـ (أمريكا) هي الدولة العظمى، وراعية الحملات الصليبية الجديدة على الشرق ـ وستنهار الكنيسة ـ بمعنى انهيار الدين، بظهور الدين الإسلامي من جديد.. ويعزو المؤلف نجاح الشرق في غزوه (أوروبا)، إلى ما أثاره المسيح الدجال من ضعف وفوضى وانقسام، وليس غضبا إلهيا لكفرهم وضلالهم ورغبة إلهية في إظهار الحق وزهق الباطل، والحقيقة أن الذي سيتسبب في ظهور الضعف والانقسام الأوروبي، بين مؤيد ومعارض هو (إسرائيل) والشعب اليهودي بشكل عام. والمسيح الدجال هو لفظ، يطلقه مفسّرو النبوءات التوراتية على شخص مفسد ومخرّب سيظهر في المكان المقدّس، وهو معادٍ للمسيحية وللمسيح وأتباعه، سيقود ال الشرق في معركته الأخيرة مع (إسرائيل) الغرب، وينسبون إليه كل ما يُوصف في التوراة من إفساد، حتى إفساد الدولة اليهودية الحالية الموصوف بالتوراة، وبذلك أصبح الإفساد اليهودي الإسرائيلي، الذي حذّرت منه التوراة ووصفته بدقة متناهية، منسوبا إلى شخص المسيح الدجال الذي لم يظهر بعد، لتكون (إسرائيل) وحلفائها بمنأى عن الغضب والعقاب الإلهي، الذي سينسكب على الدجال وأتباعه، وأتباعه هم من العرب والروس والمغول حسب اعتقادهم.

السبت، 8 مارس 2014

الحقائق العلمية العشر فى القران الكريم

عشر حقائق تحدث عنها القران منذ 1400 عام
- اكتشاف بداية الكون
من أهم اكتشافات القرن العشرين أن العلماء دحضوا فكرة الكون الأزلي الخالد! وأثبتوا بالبرهان القاطع أن للكون بداية على شكل انفجار هائل سمي الانفجار العظيم، وقد بدأ العلماء يكتشفون تفاصيل هذا الانفجار وقالوا بأن الكون كله كان كتلة واحدة فانفجرت وتشكلت المادة وخلال بلايين السنين تطور الكون إلى شكله الحالي.
ونرى بعض العلماء يفضلون استخدام مصطلحات أكثر دقة من "انفجار" مثل "تباعد" أو "كثافة" المهم أنهم يريدون أن يصلوا إلى نتيجة تقول إن الكون بدأ من كتلة واحدة (رتقاً) ثم تباعدت أجزاؤها (انفتقت) وشكلت النجوم والمجرات والأرض...

القرآن سبق علماء الغرب في الحديث عن نشوء الكون بأسلوب علمي دقيق!
إن القرآن سبق علماء الغرب بأربعة عشر قرناً إلى النتيجة ذاتها في قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) [الأنبياء: 30]، والسؤال لكل من ينكر صدق القرآن: من كان يعلم زمن نزول القرآن بأن الكون كان كتلة واحدة (رَتْقًا) ثم انفتقت وتشكل الكون الذي نراه؟ أليس هو الله جل وعلا!
2- اكتشاف توسع الكون
ربما يكون أهم اكتشاف كوني في القرن العشرين أيضاً ما كشفه العلماء حول توسع الكون، حيث وجدوا أن المجرات تتحرك مبتعدة عن بعضها بسرعات كبيرة جداً مما يسبب اتساع الكون بشكل مذهل.

الكون يتوسع بسرعة هائلة لا نحس بها، ولكن العلماء استطاعوا قياسها بالأجهزة الحديثة، هذه الحقيقة لم يكن لأحد علم بها زمن نزول القرآن!
هذه النتيجة وصل إليها العلماء بعد تجارب مريرة ومراقبة طويلة ونفقات باهظة على مدى قرن من الزمان، والعجيب أن القرآن كشف لنا حقيقة اتساع الكون قبل 14 قرناً في قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات: 47]، وبذلك يكون القرآن أول كتاب أشار إلى توسع الكون، أليست هذه معجزة تستحق التفكر؟!
3- اكتشاف نهاية الكون
نظريات كثيرة وُضعت لتصور نهاية الكون، تختلف فيما بينها ولكن العلماء يتفقون على أن للكون نهاية، ولا يمكن أن يستمر التوسع لما لانهاية بسبب قانون انحفاظ الطاقة الذي يقرر أن كمية المادة والطاقة في الكون ثابت، وبالتالي سوف يتوقف الكون عن التوسع ويبدأ بالانكماش على نفسه والعودة من حيث بدأ!

يتصور العلماء أن الكون عبارة عن ورقة مسطحة ومنحنية قليلاً، وسوف تنكمش وتُطوى على نفسها في نهاية حياة الكون!
العجيب أن القرآن أشار إلى هذه النهاية للكون بل وحدد شكل الكون وهو مثل الورقة المنحنية، وهذا الشكل هو الذي يقرره معظم العلماء اليوم. يقول تعالى: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [الأنبياء: 104]، فسبحان الله!
4- اكتشاف الثقوب السوداء
إنها ظاهرة عظيمة بحثها العلماء لأكثر من نصف قرن وتأكدوا أخيراً من وجودها وهي ما سمّي: الثقوب السوداء. حيث يؤكد العلماء أن النجوم تكبر حتى تنفجر وتنهار وتتحول إلى ثقب أسود بجاذبية فائقة تجذب لها كل شيء حتى الضوء لا تسمح له بالمغادرة فلا نراها أبداً!
ويصف العلماء هذه المخلوقات بثلاث صفات: فهي لا تُرى، وهي تجري وهي تكنُس وتجذب أي شيء يقترب منها، والعجيب أن القرآن كشف لنا هذه النتيجة الدقيقة في قوله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) [التكوير: 14-15]. والخُنَّس: أي التي تخنُس فلا تُرى، والجوار: أي التي تجري بسرعة، والكنَّس: أي التي تجذب وتكنس صفحة السماء... وهذا ما يقرره العلماء، فسبحان الله!

القرآن يتحدث عن الثقوب السوداء في زمن لم يكن أحد على وجه الأرض يعلم شيئاً عنها أو حتى يتخيلها!!
5- اكتشاف النجوم النابضة
من الاكتشافات التي أحدثت ضجة في القرن العشرين "النجوم النابضة" وهي عبارة عن نجوم في السماء تصدر صوتاً يشبه صوت المطرقة، ولذلك سماها العلماء "المطارق العملاقة" ويقول العلماء إنها تصدر موجات ثاقبة تخترق أي جسم في الكون، فهي طارقة وثاقبة وهذه النتيجة وصل إليها العلماء بعد مراقبة ودراسة طويلة.

النجم الثاقب أحد أهم الظواهر الكونية المحيرة للعلماء!
ولكن القرآن كشف الحقيقة ذاتها بكلمات بليغة ومعبرة حيث أقسم الله بهذه النجوم فقال: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ) [الطارق: 1-3]. إنها آيات تشهد على صدق منزلها سبحانه وتعالى.
6- اكتشاف النسيج الكوني
وفي القرن الحادي والعشرين قام العلماء بأضخم عملية حاسوبية على الإطلاق كان هدفها اكتشاف شكل الكون، واستخدموا الكمبيوتر العملاق بمشاركة ثلاث دول هي الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وبريطانيا. وبعد جهود عظيمة قام السوبر كمبيوتر برسم صورة مصغرة للكون.
لقد كانت المفاجأة أن الكون ظهر على شكل نسيج!! واستنتج العلماء أن المجرات تتوضع على خيوط نسيج محكم وقوي وتمتد خيوطه لملايين السنوات الضوئية، ويقولون إن الكون قد حُبك بالمجرات.

هذا هو كوننا الذي نعيش فيه... خيوط من المجرات تمتد لملايين السنوات الضوئية وتشكل نسيجاً حُبك بإحكام مذهل!
المفاجأة أن القرآن كشف لنا سر هذا النسيج بدقة مذهلة يؤكد فيها أن السماء هي عبارة عن نسيج محبوك، وذلك في قوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات: 7]. والسؤال: كيف علم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة الكونية الدقيقة لو لم يكن رسولاً من عند الله؟!
7- اكتشاف الحياة في الفضاء
بعد اكتشاف آثار لحياة بدائية على سطح أحد النيازك القادمة من الفضاء الخارجي، بدأ العلماء بالسفر عبر الفضاء لاكتشاف المخلوقات الكونية، وبعدما تأكدوا من وجود الماء على سطح المريخ وكواكب أخرى، أصبح لديهم حقيقة كونية تقول: إن الحياة منتشرة في كل مكان!

هناك شبه إجماع لدى علماء الفلك بوجود حياة غيرنا في الكواكب البعيدة!
هذه الحقيقة التي لم يتأكد منها العلماء إلا في القرن الحادي والعشرين، طرحها القرآن في القرن السابع الميلادي في قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) [الشورى: 29]. وبالفعل يقول العلماء إن هناك إمكانية كبيرة لاجتماع سكان الأرض بمخلوقات من الفضاء! فمن الذي أخبر النبي الأمي عليه الصلاة والسلام بذلك؟
8- اكتشاف البناء الكوني
طالما نظر العلماء إلى الكون على أنه فضاء واسع وفراغ مستمر، ولكن الاكتشافات الجديدة بيَّنت أن الكون عبارة عن بناء محكم أطلقوا عليه البناء الكوني، ولم يعد لكلمة "فضاء" أي معنى في ظل الاكتشافات الجديدة. فالمجرات تشكل كتل بناء، وتربط بينها المادة المظلمة والطاقة المظلمة التي لا نعرف عنها شيئاً حتى الآن!

المجرات تشكل كتل بناء في الكون والمادة المظلمة تملأ الكون!
العجيب أن القرآن لم يستخدم أبداً كلمة "فضاء" بل وصف السماء بأنها "بناء" وذلك في قوله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) [البقرة: 22]. وفي آية ثانية نجد الحقيقة ذاتها في قوله عز وجل: (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) [الشمس: 5]. وهذه الكلمات تؤكد أن القرآن دقيق جداً من الناحية العلمية بما يشهد على صدق هذا الكتاب العظيم.
9- اكتشاف الدخان الكوني
لسنوات طويلة اعتقد العلماء أن الكون يحوي غباراً كونياً تبين أخيراً أن هذا الغبار هو عبارة عن "دخان كوني" يشبه الدخان الذي نعرفه، وتوجد منه كميات ضخمة في الكون منذ بداية تشكله. وأظهرت التحاليل لجزيئات غبار التقطها علماء وكالة ناسا أنها لا تشبه الغبار، بل هي دخان يعود تشكله إلى بدايات خلق الكون قبل مليارات السنين.

هذا هو الدخان الكوني الذي ظنه العلماء غباراً لسنوات طويلة...
والمفاجأة أن القرآن وصف لنا بداية خلق السماء في قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) [فصلت: 11] والسؤال لكل من يشك بهذا القرآن، من أين جاء محمد صلى الله عليه وسلم بهذا العلم قبل أربعة عشر قرناً؟!
10- اكتشاف المادة المظلمة
يوجد سباق اليوم بين علماء الفلك على اكتشاف المادة المظلمة، وهي مادة تملأ الكون وتشكل نسبة كبيرة منه. وقد وجد العلماء أن النجوم والمجرات تتوضع عبر هذه المادة المظلمة، والمادة المظلمة شديدة وتسيطر على توزع المادة المرئية في الكون.

المادة المظلمة شديدة جداً وتشغل (مع الطاقة المظلمة) أكثر من 96 % من الكون!
في كتاب الله تعالى وصف دقيق لهذه المادة المظلمة والتي سماها القرآن: السماء! يقول تعالى: (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت: 12]، فالنجوم تزين السماء طبعاً نحن لا نرى السماء مباشرة بل نرى النجوم وهي تزين السماء. وهذه السماء شديدة جداً، يقول تعالى: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا) [النبأ: 12] وهي السموات السبع... فسبحان الله.


الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

دعوة الاسلام الحقيقية فى تقرير المبادىء الاخلاقيه

فقد قرر وحدة الجنس والنسب للبشر جميعا , (فالناس لآدم ولا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى) , وحكمة التقسيم إلى شعوب وقبائل إنما هي التعارف لا التخالف والتعاون لا التخاذل , والتفاضل بالتقوى والأعمال الصالحة التي تعود بالخير على المجموع والأفراد , والله رب الجميع يرقب هذه الأخوة ويرعاها , ويطالب عباده جميعا بتقريرها ورعايتها , والشعور بحقوقها والسير في حدودها.
ويعلن القرآن الكريم هذه المعاني جميعا في بيان ووضوح فيقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) فاتحة سورة النساء . ويقول النبي محمد r في أشهر خطبه في حجة الوداع: (إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعظمها بالآباء والأجداد , الناس لآدم ، وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى) ويقول: (ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية) رواه أبو داود.
وبهذا التقرير قضى الإسلام تماما على التعصب للأجناس أو الألوان في الوقت الذي لا تزال فيه الأمم المتحضرة من أوربا وأمريكا تقيم كل وزن لذلك , وتخصص أماكن يغشاها البيض ويحرم منها السود حتى في معابد الله ، وتضع القوائم الطويلة للتفريق بين الأجناس الآرية والسامية ، وتدّعي كل أمة أن جنسها فوق الجميع.

وقرر الإسلام وحدة الدين في أصوله العامة , وأن شريعة الله تبارك وتعالى للناس تقوم على قواعد ثابتة من الإيمان والعمل الصالح والإخاء , وأن الأنبياء جميعا مبلغون عن الله تبارك وتعالى , وأن الكتب السماوية جميعا من وحيه , وأن المؤمنين جميعا في أية أمة كانوا هم عباده الصادقون الفائزون في الدنيا والآخرة , وأن الفرقة في الدين والخصومة باسمه إثم يتنافى مع أصوله وقواعده , وأن واجب البشرية جميعا أن تتدين وأن تتوحد بالدين ، وأن ذلك هو الدين القيم وفطرة الله التي فطر الناس
عليها ، وفى ذلك يقول القرآن الكريم: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا) (الشورى:13) , ويقول القرآن الكريم مخاطبا النبي محمد r: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (الشورى:15) ، ويقول النبي محمد rمصورا هذا المعنى أبدع تصوير: (مثلى ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطرفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة ، فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين) أخرجه الشيخان.
وسلك الإسلام إلى هذه الوحدة مسلكا عجيبا , فالمسلم يجب عليه أن يؤمن بكل نبي سبق ويصدق بكل كتاب نزل , ويحترم كل شريعة مضت , ويثنى بالخير على كل أمة من المؤمنين خلت ، والقرآن يفترض ذلك ويعلنه ويأمر به النبي وأصحابه: (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة:136) , ثم يقفي على ذلك بأن هذه هي سبيل الوحدة ، وأن أهل الأديان الأخرى إذا آمنوا كهذا الإيمان فقد اهتدوا إليها وإن لم يؤمنوا به فسيظلون في شقاق وخلاف وأن أمرهم بعد ذلك إلى الله فيقول : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة:137).
ويدعم هذه الوحدة بين المتدينين والمؤمنين على أساسين واضحين مسّلمين لا يجادل فيهما إلا مكابر:
أولهما: اعتبار ملة إبراهيم عليه السلام أساسا للدين وإبراهيم , ولا شك وهو مرجع الأنبياء الثلاثة الذين عرفت رسالاتهم وهم: موسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعا.
وثانيهما: تجريد الدين من أغراض البشر وأهوائهم , والارتفاع بنسبته إلى الله وحده فتقرأ في سورة البقرة قوله تعالى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)  إلى قوله تعالى: (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ , قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) , ثم إلى قوله تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الآيات 130-141.
إن القرآن يثني على الأنبياء جميعا فموسى نبي كريم : (وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) (الأحزاب:69) , وعيسى عليه السلام (رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) (النساء:171) , (وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ , وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران:45-46) , (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) (المائدة:75) , أكرمتها الملائكة (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:42).
والتوراة كتاب كريم (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ) (المائدة:44) , والإنجيل كذلك كتاب كريم فيه هدى ونور وموعظة (وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (المائدة:46) , وهما والقرآن معهما مصابيح الهداية للناس (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ) (آل عمران:3).
وبنو إسرائيل أمة موسى أمة كريمة مفضلة ما استقامت وآمنت (يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة:122) , وأمة عيسى عليه السلام أمة فاضلة طيبة ما أخلصت (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً) (الحديد:27).
والتعامل بين المسلمين وبين غيرهم من أهل العقائد والأديان إنما يقوم على أساس المصلحة الاجتماعية والخير الإنساني , (لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ , إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة:8-9).
والجدال يكون بالتي هي أحسن إلا للذين ظلموا , وأساسه التذكير بروابط الرسالة السماوية ووحدة العقيدة الإيمانية (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (العنكبوت:46).
وبذلك قضى الإسلام على كل مواد الفرقة والخلاف والحقد والبغضاء والخصومة بين المؤمنين من أي دين كانوا , ولفتهم جميعا إلى وجوب التجمع حول "شريعة الإسلام" ونبذ كل ما من شأنه العداوة والخصام بين بنى الإنسان , (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:62).
فإن أبى الناس إلا أن يفترقوا ويختلفوا ويحتكموا إلى أهوائهم باسم الدين فإن الإسلام وبني الإسلام وشريعة الإسلام الإنسانية العامة منهم براء (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ , مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ , قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ , قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:159-163).
ولهذا جاء النبي محمد "عليه الصلاة والسلام" رسولا عالميا لا رسولا إقليميا وأعلن القرآن الكريم هذه العالمية في آيات كثيرة فقال: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان:1) , وقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) (سـبأ:28) , وقال: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (لأعراف:158) , ومن هنا كانت رسالته أيضا ختام الرسالات فلا رسالة تعقبها أو تنسخها ولا نبي بعده (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) (الأحزاب:40) ، ومن هنا كذلك كانت معجزته الخالدة الباقية هذا القرآن الكريم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ , لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42).
ولقد كان الناس يتساءلون من قبل هذا العصر كيف يكون فرد واحد من أمة واحدة رسولا للبشر جميعا فجاء هذا العصر الذي انمحت فيه المسافات ، وتجمعت فيه أطراف الأرض بهذه المواصلات ، وتشابكت فيه مصالح الأمم والدول والشعوب حتى لكأنها بلد واحد كبير ، لا ينفك جانب منه عن الجانب الآخر في قليل ولا في كثير , وانطلقت في أجواز الفضاء أنباء الشرق يعلمها ساعة حدوثها الغرب ، وأنباء الغرب يستمع إليها لحظة وقوعها الشرق , وتركزت آمال المصلحين اليوم في (العالم الواحد) ، و(النظام الواحد) ، و(الضمان الاجتماعي) و(السلام العالمي) , فكان ذلك آية كبرى ومعجزة أخرى لنبي الإسلام وشريعة الإسلام وصدق الله العظيم: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت:53).

وقد كان الإسلام عمليا كعادته فلم يقف عند حد تقرير الأصول النظرية لهذه الوحدة الإنسانية ولكنه رسم وسائل التطبيق ، وقرر الشعائر والشرائع التي يتأكد بها هذا المعنى في النفوس ، وثبت دعائمه في المجتمعات ، وهذا هو الفرق بين الرسالات الفلسفية والرسالات الإصلاحية أو بين الفيلسوف والمصلح .. فالفيلسوف يقرر النظريات , والمصلح يرسم قواعد التفيق ويشرف بنفسه على تمامه ، ومن هنا كان الإسلام نظريا وعمليا معا لأنه رسالة الإصلاح الشامل الخالد ، وعلى هذا الأساس قرر الشعائر والشرائع التي يتحقق بالعمل بها ما دعا إليه من إنسانية عالمية وأخوة حقيقية بين البشر على اختلاف أوطانهم وأجناسهم وألوانهم . ومن ذلك :
القبلة : فعلى المؤمنين أن يصرفوا وجوههم وقلوبهم وأفئدتهم كل يوم خمس مرات على الأقل إلى "الكعبة" بناها إبراهيم أبو الأنبياء عليه الصلاة والسلام ، وأن يشعر كل منهم بما يحيط بهذا الرمز الكريم من معاني الأخوة وبالوحدة بين الناس جميعا ، كما أن طواف الطائفين بهذه الكعبة المشرفة إن هو إلا توكيد لهذا الشعور عمليا كذلك , وينتهز بعض الذين لا يعلمون الحكمة البالغة والنظرة السامية في هذا التشريع الحكيم هذه الفرصة فيغمزون الإسلام بأنه لا زال متأثرا ببقية من وثنية العرب , وأن الكعبة والطواف من حولها ، والحجر الأسود واستلامه وما يحيط بذلك من معاني التقديس والتكريم إن هو إلا مظهر من مظاهر هذا التأثر , وهذا القول بعيد عن الصحة عار عن الصواب ، فالمسلم الذي يرف بالكعبة أو يستلم الحجر يعتقد اعتقادا جازما أنها جميعا أحجار لا تضر ولا تنفع ولكنه إنما يقدس فيها هذا المعنى الرمزي البديع: معنى الأخوة الإنسانية الشاملة ، والوحدة العالمية الجامعة . ويذكر في ذلك قول الله العلي الكبير (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ) (المائدة:97). والرمزية هي اللغة الوحيدة لتمثيل المعاني الدقيقة والمشاعر النبيلة التي لا يمكن أن تصورها الألفاظ أو تجلوها العبارات ، والذي يعظم علم وطنه يعلم أنه في ذاته قطعة نسيج لا قيمة لها ماديا ولكنه يشعر كذلك أنها ترمز إلى كل معاني المجد والسمو التي يعتز بها وطنه , وإنها تصور أدق المشاعر في وطنيته , فهو يحمي هذا العلم ويعظمه ويحترمه ويكرمه لهذه المعاني التي تجمعت جميعا وتمثلت فيه . والكعبة المشرفة علم الله المركوز في أرضه ليمثل به للناس أوضح معاني أخوتهم وليرمز به إلى أقدس مظاهر وحدتهم , وإنما كانت بناء ليكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا , ومن أجمل الجميل أن يقوم على رفع قواعد هذا البناء إبراهيم الخليل أبو الأنبياء (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة:127).
وما الحجر الأسود إلا موضع الابتداء ونقطة التميز في هذا البناء ، وعنده تكون البيعة لرب الأرض والسماء على الإيمان والتصديق والعمل والوفاء , اللهم إيمانا بك لا بالحجر ، وتصديقا بكتابك لا بالخرافة ، ووفاء بعهدك وهو التوحيد الخالص لا الشرك ، واتباعا لسنة نبيك r محطم الأصنام.
فأين هذه المعاني الرمزية العلوية من تلك المظاهر الوثنية الخرافية؟ إن الكعبة المشرفة رمز قائم خالد ، ركز الإسلام من حوله أخلد وأقدس وأسمى معاني الإنسانية العالمية والأخوة بين بنى البشر جميعا (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة:125).

واللغة : وكما وحد الإسلام القبلة فقد وحد اللغة وأعلن أن العربية هي لسان القرآن (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف:3) ، وأن القرآن هو لسان المؤمنين وأن دعوة الإيمان دعوة موجهة إلى العالمين . ويقرر علماء الاجتماع أن اللغة هي أقوى الروابط بين الأمم والشعوب ، وأقرب وسائل التقريب والتوحيد بينها . وهى نسب من لا نسب له , وقد أدرك الإسلام هذه الحقيقة ففرض العربية فرضا على المؤمنين في صلواتهم وعباداتهم ومنح الجنسية العربية لكل من نطق بلغة العرب وجرى لسانه بها . واعتبر أن العربية هي اللسان . روى الحافظ ابن عساكر قال: (جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي فقال: هؤلاء الأوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذا الرجل "يعنى النبي r " فما بال هذا وهذا ؟ "مشيرا إلى غير العرب من الجالسين" فقام إليه معاذ بن جبل رضي الله عنه فأخذ بتلابيبه ثم أتى النبي r فأخبره بما قاله فقام النبي r مغضبا يجر رداءه حتى أتى المسجد ثم نودي الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فخطبهم قائلا: "يا أيها الناس إن الرب واحد ، وإن الدين واحد ، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان ، فمن تكلم العربية فهو عربي").
وأي تشجيع أعظم من هذا على تعلم لغة العرب وتعميمها بين الناس لتكون هي "الاسبرانتو" العالمي الذي يربط البشرية بأقوى روابطها ، وهى اللسان . وقد يقال إن ذلك خيال لا يتحقق والجواب أنه خيال حققته قوة أصحابه الروحية والحسية من قبل وتحققه من بعد ، ولا خيال في الحقيقة إلا مع الضعف ، وحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد . ولا تعاب الطريقة المثلى إذا هجرها الناس وهذه هي الطريقة للوحدة "وكل من سار على الدرب وصل".

الأذان: وتستمع إلى الأذان وهو الصوت العالي الذي تنطلق به حناجر المؤذنين في الصباح والمساء وعشيا وعند الظهيرة ومع الغروب: (الله اكبر الله اكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله , أشهد أن محمدا رسول الله . حي على الصلاة . حي على الفلاح . الله اكبر الله اكبر . لا إله إلا الله) يكرر المؤذن أعدادها المعروفة أو هو يقول حي على خير العمل كما في بعض الروايات . فهل ترى في هذا النداء دعوة إلى عصبية جنسية أو هتافا بنصرة طائفية؟ .. لا شيء إلا تمجيد الله والحث على الخير والفلاح والطاعة والصلاة والإرشاد إلى الأسوة الحسنة في محمد رسول الله.

والمساواة العامة هي شعار الإسلام في الحقوق والواجبات ومظاهر العبادات , فالجنس الإنساني مكرم كله مفضل على كثير من المخلوقات , (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء:70).
والناس جميعا مخاطبون بهذه الدعوة الإسلامية وكثيرا ما يستفتح الخطاب في القرآن الكريم بيا أيها الناس إشارة إلى عموم هذه الرسالة وتسويتها بين الناس في الحقوق والواجبات , والحقوق الروحية فضلا عن الحقوق المدنية والسياسية الفردية والاجتماعية والاقتصادية مقررة للجميع على السواء ، فما من شعب إلا بعث إليه رسول (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) (فاطر:24) , ومظاهر العبادات وطرق أدائها مشتركة بين الجميع يؤدونها على قدم المساواة ، فهم في الصلاة كالبنيان المرصوص ، وهم في الحج قلب واحد يفدون من كل فج عميق ، وهم في الجهاد صف لا يتخلف عنه إلا أعرج أو مريض أو أعمى أو معذور ، وهم في كل معنى من هذه المعاني كأسنان المشط لا سيد ولا مسود (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10) ، وقل مثل ذلك في جميع الحقوق والواجبات والفرائض والعبادات التي جاء بها هذا الإسلام.

ولقد دعم الإسلام هذه المعاني النظرية والمراسيم العملية ببث أفضل المشاعر الإنسانية في النفوس من حب الخير للناس جميعا والترغيب في الإيثار ولو مع الحاجة (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9) ، والإحسان في كل شيء حتى في القتل (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:195) , (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف:30) , (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ) (النحل:90).
وتقرير عواطف الرحمة حتى مع الحيوان فأبواب الجنة تفتح لرجل سقى كلبا ، وتبتلع الجحيم امرأة لأنها حبست هرة بغير طعام كما جاء ذلك وغيره من كثير من مثله في أحاديث النبي محمد r حتى استغرب أصحابه وقالوا: وإن لنا في البهائم لأجرا يا رسول الله؟ قال: (نعم في كل ذات كبد رطبة أجر) رواه البخاري ، ولا شك أن هذه المشاعر هي التي تفيض على صاحبها أفضل معاني الإنسانية وتوجهه إلى تقدير قيمه الأخوة العالمية.

وإن التاريخ ليحدثنا أن المجتمع الإسلامي سعد بتحقيق هذه المعاني في كل عصر من العصور التي ازدهرت فيها دعوة الإسلام وطبقها المؤمنون فيها تطبيقا صحيحا ، ففي عهد النبوة كان سلمان الفارسي إلى جانب صهيب الرومي إلى جوار بلال الحبشي ومعهم في نسق واحد أبو بكر القرشي تضمهم جميعا أخوة الإسلام (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران:103) ، ولم تعرف التعصبات الجنسية إلا يوم ضعف شعور المسلمين بسلطان التوجيه الإسلامي الصحيح واجتاحتهم شياطين التقليد فانحرفوا عن هذا الصراط المستقيم.

ولقد بشر زعماء العالم إبان محنتهم في الحرب الماضية بهذه الإنسانية العالمية وهتفوا بالعالم الواحد السعيد الذي تسوده الطمأنينة والعدالة والحرية والوئام . فهل وصلوا إلى شيء من ذلك؟ .. أو حاولوا أن يصلوا إليه فيما قرروا من مؤتمرات وعقدوا من اجتماعات؟ وهل استطاعت هيئة الأم المتحدة أن تسوي في الحقوق بين أبناء الوطن الواحد في أفريقيا الجنوبية ، أو أن تحمل الأمريكان على ترك التفاضل بالألوان؟ لا شيء من هذا ، ولن يكون إلا إذا تطهرت النفوس بماء الوحي العذب الطهور ، وسقيت من معين الإيمان ، وأخلصت للإسلام دين الأخوة والوحدة والإنسانية والسلام
(إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ , وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)


الجمعة، 9 أغسطس 2013

الفتنة ومعيارها اللغوى


يكثر الكلام عن الفتنة والفتن بين الناس ولقد تكرر في القرءان الكريم كلمة الفتنة كثيراً وكذا في الأحاديث الشريفة فرأيت أن نُبينَ المعنى اللغوي لكلمة الفتنة والإستعمال الشرعي لها حيث جائت في القرءان الكريم بعدة معاني على حسب سياق الآيات ومعانيها ، أولاً تعريف الفتنة في اللغة: قال الأزهري وهو من أكابر اللغوين: جماعُ معنى الفتنة في كلام العرب: الابتلاء ، والامتحان وأصلها مأخوذ من قولك : فتنتُ الفضة والذهب ، أذبتهُما بالنار ليتميزَ الرديءُ من الجيد ، ومن هذا قول الله عز وجل: " يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ " أي يحرقون بالنار. (من كتاب تهذيب اللغة 14 / 296 ). وقد لخص ابنُ الأعرابي معاني الفتنة بقوله:" الفتنة الاختبار، والفتنة: المحنة، والفتنة المال، والفتنة: الأولاد، والفتنة الكفر والشرك، والفتنة اختلاف الناس بالآراء والفتنة الإحراق بالنار ( كتاب لسان العرب لابن منظور )،

ثانياً: معاني الفتنة في الكتاب والسنة في مواضع كثيرة أشهرها الآية المتداولة بينَّ الناس وهي قوله تعالى:(( وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل ))، وهنا الفتنة على معنى الكفر والشرك أشدُ من قتل النفس التى حرم الله لأن القتل هو أكبر ذنب بعد الكفر بالله تعالى، وجائت بمعنى الابتلاء والاختبار: كما في قوله تعالى:(( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ))، أي وهم لا يبتلون، وجائت على معنى الإضلال كما في قوله تعالى: (( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ))، فإنَ معنى الفتنة هنا الإضلال أي من يُردِ الله يُضله لأن الهداية والضلال بخلق الله تعالى فمن يهدِ الله لامُضلَ له ومن يُضلل لاهاديَّ له، وجائت أيضاً على معنى تعذيب أهل الأخدود كما في سورة البروج من أن قوماً حَرّقوا المؤمنين بالنار وبهذا جائت الآية قوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ))، وهكذا في كثيرٍ من مواضع القرءان وردت كلمة الفتنة والذي ينبغي التحذير منه ما جرى على ألسن الكثير من إيراد الآية الفتنة أشد من القتل على معنى أن من يُحرش بين الناس ويعمل الفتن ذنبه أشدُ من ممن قتل نفساً وهذا غلط ومخالف للنصوص القراءن الكريم بل وفيه تكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن أي الذنوب فأجاب الشرك بالله قيل له ثم أيّ قال قتل النفس التى حرم الله فمن المقطوع به عند المسلمين أن قتل النفس أكبرُ وأشد ذنب عند الله بعد الكفر بالله، وليس عمل المشاكل والفتن بأشد فاحذر ان تورد الآية بغير محلها وأحذر حذرأً شديدا من أن تعتقد ان معنى الآية هكذا بل الآية سبب نزولها أن مشركي العرب منعوا القتال في أشهر معينة ثم قوتلوا فيه فأنكروا قالوا هذا محمد يدعي الخير ثم يرفع السيف في مثل هذا الشهر!؟ فأنزل الله في تبكيتهم وزجرهم: (( وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل)) أي كفركم بالله وعبادتكم للأصنام أشدُ من القتال في مثل هذا الشهر وليس معنى الآية أن الفتن أشد ذنبا عند الله من القتل، وإن كان عمل الفتن بين الناس أمرٌ نهى عنه الشرع وحذر منه وهو طبع أهل الفساد والنفاق والرذائل، وهاك أخي القارىء جملة من أهم كتب التفسير لتكن على علم أن معنى: الفتنة أشد من القتل الكفر بالله، قال تعالى في سورة البقرة:(( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ))، فالمراد بالفتنة هنا هو الشرك وليس النميمة كما يتوهم بعض الناس فيوردون هذه الآية عند حصول أي شجار ناتج عن نميمة، قال بعض المفسرين في ذلك منهم المفسر الإمام الطبري قال القول في قوله تعالى:(( وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل ))، يعني تعالى ذكره بقوله: (( وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل ))، والشرك بالله أشدّ من القتل، وقد بينت فيما مضى أن أصل الفتنة الابتلاء والاختبار فتأويل الكلام ابتلاء المؤمن في دينه حتى يرجع عنه فيصير مشركا بالله من بعد إسلامه أشدّ عليه وأضرّ من أن يقتل مقيماً على دينه متمسكاً عليه محقّاً فيه، وقال القرطبي: أي شركهم بالله وكفرهم به أعظم جُرْماً وأشدّ من القتل الذي عيرّوكم به. وهذا دليل على أن الآية نزلت في شأن عمرو بن الحَضْرمِيّ حين قتله واقد بن عبد اللَّه التميمي في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، وقال ابنُ الجوزي: فأما الفتنة، ففيها قولان. أحدهما: أنها الشرك، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وقتادة في آخرين. والثاني: أنها ارتداد المؤمن إلى عبادة الأوثان. قاله مجاهد. فيكون معنى الكلام على القول الأول: شركُ القوم أعظم من قتلكم إياهم في الحرم . وعلى الثاني: إرتداد المؤمن إلى الأوثان أشدُ عليه من أن يقتل محقاً، وقال النسفي:(( وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل))، أي شركهم بالله أعظم من القتل الذي يحل بهم منكم، وقال الخازن في تفسيره:(( وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل))، يعني أن شركهم بالله أشدُ وأعظم من قتلكم إياهم في الحرم والإحرام وإنما سُميَ الشرك بالله فتنة لأنه فساد في الأرض يؤدي إلى الظلم، وإنما جعل أعظم من القتل لأن الشرك بالله ذنب يستحق صاحبه الخلود في النار وليس القتل كذلك، والكفر يخرج صاحبه من الأمة وليس القتل كذلك فثبت أن الفتنة أشدُ من القتل . وهكذا يتبن أن معنى الفتنة في الآية الشرك والكفر بالله سواءٌ باللسان كالإستهزاء بالدين أو بما جاء في القراءن ومن الشرك الذي هو فتنة أيضا الإعتقاد الفاسد من نحو إعتقاد الصورة والجسم والمكان لله تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا فلا السماء مسكناً لله ولا العرشُ مستقراً لله ولا يُنسب إليه تعالى الصورة والجسم بل الله فردُ صمد لايحتاج لشىء ولا يشبه شىء ليس كمثله شىء وهو السميع البصير، فمن حملَ معتقدا فاسداً أو تكلم بشرك أو كفر فهو عند الله أكبر من قاتل النفس وبعده في الطغيان عند الله القتل ولهذا وصف الله عباده المؤمنين بقوله تعالى:(( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ))، فالقتلُ بغير حق جريمة كبرى والفتن التى تنتج قتل النفوس البريئة ليست بمنىء عن الوقوع في المهالك وكذا من أشعلها ممن حمل راية الزعزعة وإثارة البلبلة في هذه الأيام على أنواع وصور للفتن فقوم جاءوا باسم الإصلاح والتغيير، وحقيقتهم الدعوة إلى الفتن والقلاقل والنفير، وقوم دعوا للمحبة فأوقعوا بين الأحبة وقوم إدعوا العدل والقسط فظلموا وفتنوا إلى أبعد الحدود قال الله تعالى: (( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون* أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ)). فإن التسويق للفتن والترويج للفساد وزرع القلاقل والنعرات بغير هدى أمر في غاية الخطورة، لأنه قد يضيع الحق، ويظهر الباطل، ويفشو الجهل، بل وتسفك الدماء، وترمل النساء، وييتم الأطفال، وينتشر الخوف في العالمين، وحينئذ تكون الفتنة أيضا؛ لأنه بالقتل والفوضى يتهم هذا هذا ويحرض هذا على هذا والعدو يصطاد بالماء العكر بين هذا وهذا!. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الفتن في الصلاة وغير الصلاة. فالمال والأولاد والرخاء والعافية والغضب والمصائب ونحوها قد تكون فتنٌ للمرء ليبتلى أيصبر أم يكفر، والله تعالى يعلمُ الصابرين من الشاكرين ولكن ليُبَينَّ للناس من هو أهلٌ للتقوى ومن هو منافق يَكفرُ عندَ المصائب ويرتدُ عند النوازل ومن هو عابد لله في الرخاء والسراء وعند البلاء إلى أن يلقى الله تعالى، وإننا اليوم في معترك فتن عظيمة من هذه، فتن كقطع الليل المظلم، يتبع بعضها بعضًا، وينسي بعضها بعضًا، فالمال فتنة هلكَ بهُ كثيرٌ من الناس في هذه الأزمنة ، والأولاد فتنة وكم استعصى أمرهم على معظم أولياء الأمور، ومخالطة الأشرار من المنافقين فتنة وكم امتلأت منهم الديار وعظمت بسببهم الأخطار، والنساء فتنة وكم جلبنَّ من المصائب على الكثيرين، وكم يكيد بهنَّ الأعداء لإفساد مجتمع المسلمين، نعوذ بالله من الفتن ما ظهرَ منها وما بَطن، ونسأله الهدى والسداد والصلاح في الحال والمآل . وموقف المؤمن من الفتن الثبات على الحق والدعاء فكم للدعاء أثرٌ عظيم في الثبات والنصر، والاستعاذةُ بالله تعالى من الفتن ففي الحديث المتفق عليه :(( وأعُوذُ بِكَ مِنْ فتنةِ المحيَا والممَات ))، والعبادة وقتَ الفتن هي وصيّة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته حيث قال: (( بادِرُوا بالأعمالِ الصالحةِ فتنًا كقِطعِ الليلِ المظْلِم، يصبحُ الرجلُ مؤمِنًا ويُمسِي كافِرا )) رواه مسلم، وهذا الحديث كأننا نعيش في واقعه ألا ترى من الناس من يبيع الدين بشىء من الدنيا

؟ وذلك لغلبة الفتن وشدة الغفلة وكثرة الجهل بدين الله تعالى ، اللهَ نسأل العصمة من الفتن ما ظهر منها وما بَطن فأنه لاعاصمَ من الفتن إلا الله تعالى ،

الجمعة، 5 يوليو 2013

حرمة الدم

مواقف حلف فيها النبى صلى الله عليه وسيلم
--------------------------------
       
                                                 بسم الله الرحمن الرحيم
                                        -----------------------------
                   من هذه المواقف
       ----------------------------

 حرمة دم المسلم--- -
وهذا ظاهر من قوله وقسمه صلى الله عليه وسلم: «والذي لا إله غيره! لا يحل دم رجل مسلم يشهد ألاإله إلا الله، وأني رسول الله إلا ثلاثة نفر ... » فما دام أن المسلم قد استقام على دينه ولم يقع فيه هذه الموبقات التي تسفك دمه فيجب الحفاظ عليه، والحذر ثم الحذر من قتله أو سفك دمه لأن الله عز وجلّ نهى عن ذلك أشد النهي فقال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ                                            مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه "
هل سمعنا عن مثل هذا العقاب الإلهي لأي كبيرة مهما عظمت إلا في هذا الموطن؟
وقال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً. يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً. إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان/ 68- 70]
ومن قتل يقتل، قال تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة/ 179] .

  قتل التارك لدينه المفارق للجماعة:
قال النووي: وهذا عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام.
قال العلماء: ويتناول أيضا كل خارج عن الجماعة ببدعة، أو بغي أو غيرهما، وكذا الخوارج والله أعلم.
واعلم أن هذا عام يخص منه الصائل ونحوه، فيباح قتله في الدفع، وقد يجاب عن هذا بأنه داخل في المفارق للجماعة، أو يكون المراد لا يحل تعمد قتله قصدا إلا في هذه الثلاثة والله أعلم

  الزاني الثيب يقتل رجما:
لحديث عمر رضي الله عنه قال: " إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه اية الرجم فقرأتها، وعقلتها، ووعيتها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى، فالرجم حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت به البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف: وقد قرأتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم" متفق عليه.
والايات والأحاديث في الزجر عن الزنى كثيرة جدا تنظر في مظانها.

  القاتل عمدا يقتل إذا لم يعف عنه أولياء الدم:
لقوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ [البقرة/ 178]
قال السعدي رحمه الله:
بين تعالى حكمته العظيمة في مشروعية القصاص فقال: ولكم في القصاص حياة أي: تنحقن بذلك الدماء، وتنقمع به الأشقياء، لأن من عرف أنه مقتول إذا قتل لا يكاد يصدر منه القتل، وإذا رؤي القاتل مقتولا انذعر بذلك غيره وانزجر.
فلو كانت عقوبة القاتل غير القتل لم يحصل انكفاف الشر الذي يحصل بالقتل وهكذا سائر الحدود الشرعية، فيها من النكاية والانزجار ما يدل على حكمة الحكيم الغفار، وذكر (الحياة) لإفادة التعظيم والتكثير.
وتلك رسالة ابث بها الى كل المصريين الشرفاء ان لا تنقادوا وراء الاهواء والاطماع الذائله بل اعلموا ان تلك وقيعة دنيئة يريدها لنا اعداء الله من شياطين الشرق والغرب لان مصر هى عمود الاسلام فى هذا العالم فلما التقاتل والتناحر من اجل كرسى زائل 
--- ان الكراسى ان علت وتجملت 
                                    فالموت حتما لا محالة آتى 
فلنحافظ جميعا على بلدنا ومقدراتنا ودمائنا .
                                            حفظ الله مصر من كل مكروه وسوء