السبت، 1 سبتمبر 2012

الاسماعليه الباطنيه بين القديم والحديث


الخطوط العريضة
للمذهب الاِسماعيلي

إنّ للمذهب الاِسماعيلي آراءً وعقائداً ، ستوافيك تفاصيلها في الفصول الآتية نذكرها هنا على وجه الاِيجاز :
الاَُولى : إنتماوَهم إلى بيت الوحي والرسالة
كانت الدعوة الاِسماعيلية يوم نشوئها دعوة بسيطة لا تتبنّى سوى : إمامة المسلمين ، وخلافة الرسول صلى الله عليه وسلم6 ، واستلام الحكم من العباسيّين بحجة ظلمهم وتعسّفهم ؛ غير أنّ دعوة بهذه السذاجة لا يكتب لها البقاء إلاّ باستخدام عوامل تُضمن لها البقاء ، وتستقطب أهواءَ الناس وميولهم.
ومن تلك العوامل التي لها رصيد شعبي كبير هو ادّعاء انتماء أئمّتهم إلى بيت الوحي والرسالة ، وكونهم من ذرية الرسول وأبناء بنته الطاهرة فاطمة الزهراء 3 ، وكان المسلمون منذُ عهدِ الرسول يتعاطفون مع أهل بيت النبيّ ، وقد كانت محبتهم وموالاتهم شعار كلّ مسلم واع.
وممّا يشير إلى ذلك انّ الثورات التي نشبتْ ضدّ الاَُمويين كانت تحمل شعار حب أهل البيت: والاقتداء بهم والتفاني دونهم ، ومن هذا المنطلق صارت الاِسماعيلية تفتخر بانتماء أئمتهم إلى النبي 6 حتى إذا تسلّموا مقاليد الحكم وقامت دولتهم ، اشتهروا بالفاطميين ، وكانت التسمية يومذاك تهزّ المشاعر وتجذب العواطف بحجة انّ الاَبناء يرثون ما للآباء من الفضائل والمآثر ، وانّتكريم ذرية الرسول 6 تكريم له 6 ، فشتان مابين بيت أُسس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوانه ، وبيت أُسّس بنيانه على شفا جرف هار ، فانهار به في نار جهنم.

الثانية : تأويل الظواهر
إنّ تأويل الظواهر وإرجاعها إلى خلاف ما يتبادر منها في عرف المتشرّعة هي السمة البارزة الثانية للدعوة الاِسماعيلية ، وهي إحدى الدعائم الاَساسية بحيث لو انسلخت الدعوة عن التأويل واكتفت بالظواهر ، لم تتميز عن سائر الفرق الشيعية إلاّ بصَرف الاِمامة عن الاِمام الكاظم 7إلى أخيه إسماعيل بن جعفر ، وقد بنوا على هذه الدعامة مذهبهم في مجالي العقيدة والشريعة ، وخصوصاً فيما يرجع إلى تفسير الاِمامة وتصنيفها إلى أصناف ، سيوافيك بيانه.
ولم يكن تأويل الظواهر أمراً مبتدعاً ، بل سبقهم ثلة من المندسّين في أصحاب الاِمام الصادق 7 الذين طردهم الاِمام ولعنهم وحذّر شيعته من الاختلاط بهم ، لصيانتهم عن التأثر بآرائهم والانجراف في متاهاتهم كأبي منصور ، وأبي الخطاب ، والمغيرة بن سعيد ، وغيرهم من ملاحدة عصره وزنادقة زمانه.
إنّ تأويل الظواهر والتلاعب بآيات الذكر الحكيم وتفسيرها بالاَهواء والميول جعل المذهب الاِسماعيلي يتطور مع تطور الزمان ، ويتكيّف بمكيفاته ، ولا ترى الدعوة أمامها أي مانع من مماشاة المستجدات وإن كانت على خلاف الشرع أو الضرورة الدينية.
الثالثة : تطعيم مذهبهم بالمسائل الفلسفية
إنّ ظاهرة الجمود على النصوص والظواهر ورفض العقل في مجالات العقائد ، كانت من أهمّ ميزات العصر العباسي حيث كانوا يرفضون كل بحثٍ عقلي خارج عن هذا الاِطار خاصّة في عهد المنصور والرشيد ، فقد طردوا حماة البحث الحرّ والانفتاح الفكري وضيّقوا عليهم.
إنّ هذه الظاهرة على خلاف الشريعة ، التي تدعو إلى التفكّر والتعقّل. وكان

الاِمام علي 7 أوّل من فتحَ باب الاَبحاث العقلية على مصراعيه وبيّن الخطوط العريضة لكثير من العقائد على ضوء البرهان والدليل.
إنّ ظاهرة الجمود في أوساط العباسيين ولّدت ردّ فعلٍ عند أئمة الاِسماعيليّة ، فانجرفوا في تيارات المسائل الفلسفية وجعلوها من صميم الدين وجذوره ، وانقلب المذهب إلى منهج فلسفي يتطوّر مع تطوّر الزمن ، ويتبنّى أُصولاً لا تجد منها في الشريعة الاِسلامية عيناً ولا أثراً.
يقول الموَرّخ الاِسماعيلي المعاصر : إنّ كلمة « إسماعيلية » كانت في بادىَ الاَمر تدل على أنّها من إحدى الفرق الشيعية المعتدلة ، لكنّها صارت مع تطور الزمن حركة عقلية تدلّ على أصحاب مذاهب دينية مختلفة ، وأحزاب سياسية واجتماعية متعدّدة ، وآراء فلسفية وعلمية متنوعة. (١)
الرابعة : تنظيم الدعوة
ظهرت الدعوة الاِسماعيلية في ظروف ساد فيها سلطانُ العباسيين شرقَ الاَرض وغربها ، ونشروا في كلّ بقعة جواسيس وعيوناً ينقلون الاَخبار ـ خاصة أخبار مخالفيهم ومناوئيهم ـ إلى مركز الخلافة الاِسلامية ، ففي مثل هذه الظروف العصيبة لا يكتب النجاح لكلّدعوة تقوم ضد السلطة إلاّ إذا امتلكت تنظيماً وتخطيطاً متقناً يضمن استمرارَها ، ويصون دعاتها وأتباعها من حبائل النظام الحاكم وكشف أسرارهم.
وقد وقف الدعاة على خطورة الموقف وأحسّوا بلزوم إتقان التخطيط والتنظيم ، وبلغوا فيه الذروة بحيث لو قورنت مع أحدث التنظيمات الحزبية العصرية ، لفاقتها وكانت لهم القدح المعلّى في هذا المضمار ، وقد ابتكروا أساليب
__________________
١ ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : ١٤ ، والموَلف سوري إسماعيلي وفي طليعة كُتّابهم.

دقيقة يقف عليها من سبر تراجمهم وقرأ تاريخهم ، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل جعلوا تنظيمات الدعوة من صميم العقيدة وفلسفتها.
يقول الموَرخ الاِسماعيلي المعاصر : وبالحقيقة لم توجه أية دولة من الدول ، أو فرقة من الفرق ، اهتماماً خاصاً بالدعاية وتنظيمها ، كما اهتمّت بها الاِسماعيلية ، فجعلت منها الوسيلة الرئيسية لتحقيق نجاح الحركة في دور الستر والتخفّي ، ودور الظهور وا لبناء معاً. ولقد أحدث التخطيط الدعاوي المنظم تنظيماًعجيباً لم يسبقهم إليه أحد في العالم ، وابتكرت الاَساليب المبنية على أُسس مكينة مستوحاة من عقيدتها الصميمة.
ولقد برعوا براعة لا توصف في تنظيم أجهزة الدعاية ـ على قِلّة الوسائل في ذلك العصر ـ واستطاعوا أن يشرفوا بسرعة فائقة على أقاصي بقاع البلدان الاِسلامية ، ويتنسمون أخبار أتباعهم في الاَبعاد المتناهية. وذلك بما نظموا من أساليب وأحدثوا من وسائل. وقد كان للحمام الزاجل ـ الذي برع في استخدامه دعاة الاِسماعيلية ـ أثره الفعّال في تنظيم نقل الاَخبار والمراسلات السرية الهامّة. (١)
الخامسة : إضفاء طابع القداسة على أئمّتهم ودعاتهم
شعرت الدعوة الاِسماعيلية أيام نشوئها بأنّه لا بقاء لها إلاّ إذا أضفتْ طابع القداسة على أئمّتهم ودعاتهم بحيث توجب مخالفتهم مروقاً عن الدين وخروجاً عن طاعة الاِمام « والجدير بالاهتمام انّ الاِمام الاِسماعيلي ـ والذي يعتبر رئيساً للدعوة ـ جعل الدعاة من (حدود الدين) إمعاناً منه في إسباغ الفضائل عليهم ليتمكّنوا من نشر الدعوة وتوجيه الاَتباع والمريدين دونما أيّة معارضة أو مخالفة ،
__________________
١ ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : ٣٧.

لاَنّ مخالفتهم ومعارضتهم تعتبر بالنسبة للاِسماعيلية مروقاً عن الدين ، وخروجاً عن طاعة الاِمام نفسه ، لاَنّهم من صلب العقيدة وحدودها ». (١)
إنّ الاِمامة تحتل عند الاِسماعيلية مركزاً مرموقاً ولها درجات ومقامات مختلفة ـ سيوافيك تفصيلها في مظانها ـ حتى أضحت من أبرز سمات المذهب الاِسماعيلي فهم يعتقدون بالنطقاء الستة ، وانّ كلّ ناطق رسول يتلوه أئمة سبعة :
١ ـ فآدم رسول ناطق تلته أئمة سبعة بعده.
٢ ـ فنوح رسول ناطق تلته أئمة سبعة.
٣ ـ فإبراهيم رسول ناطق جاءت بعده أئمة سبعة.
٤ ـ فموسى رسول ناطق تلته أئمة سبعة.
٥ ـ فعيسى رسول ناطق تلته أئمة سبعة.
٦ ـ فمحمّد رسول ناطق تلته أئمة سبعة ، وهم :
علي بن أبي طالب ، الحسن بن علي ، الحسين بن علي ، علي بن الحسين ، محمد ابن علي الباقر ، جعفر بن محمد الصادق ، إسماعيل بن جعفر.
وبذلك يتم دور الاَئمة السبعة ويكون التالي رسولاً ناطقاً سابعاً وناسخاً للشريعة السابقة وهو محمد بن إسماعيل وهذا ممّا يصادم عقائد جمهور المسلمين من أنّ نبيّ الاِسلام 6 هو خاتم الاَنبياء والمرسلين ، وشريعته خاتمة الشرائع ، وكتابه خاتم الكتب.
فعند ذلك وقعت الاِسماعيلية في مأزق كبير سيوافيك تفصيله في الفصول الآتية إن شاء اللّه تعالى.
____________
١ ـ المصدر السابق : ٣٧.

السادسة : تربية الفدائيين للدفاع عن المذهب
إنّ الاَقلية المعارضة من أجل الحفاظ على كيانها لا مناص لها من تربية فدائيين مضحِّين بأنفسهم في سبيل الدعوة لصيانة أئمّتهم ودعاتهم من تعرض الاَعداء ، فينتقون من العناصر المخلصة المعروفة بالتضحية والاِقدام ، والشجاعة النادرة ، والجرأة الخارقة ، ويكلَّفون بالتضحيات الجسدية ، وتنفيذ أوامر الاِمام أو نائبه ، وإليك أحد النماذج المذكورة في التاريخ :
في سنة ٥٠٠ هجرية فكر فخر الملك بن نظام وزير السلطان سنجر ، أن يثأر لاَبيه وهاجم قلاع الاِسماعيلية ، فأوفد إليه الحسن بن الصباح أحد فدائييه فقتله بطعنة خنجر ، ولقد كانت قلاعه في حصار مستمر من قبل السلجوقيين.
وفي سنة ٥٠١ هـ حوصرت قلعة « آلموت » من قبل السلطان السلجوقي واشتد الحصار عليها ، فأرسل السلطان رسولاً إلى الحسن بن الصباح يطلب منه الاستسلام ، ويدعوه لطاعته ، فنادى الحسن أحد فدائييه وقال له : ألقي بنفسك من هذا البرج ففعل ، وقال للثاني : اطعن نفسك بهذا الخنجر ففعل ، فقال للرسول : اذهب وقل لمولاك إنّه لدي سبعونَ ألفاً من الرجال الاَُمناء المخلَصين أمثال هوَلاء الذين يبذلون دماءهم في سبيل عقيدتهم المثلى. (١)
وقد تفشّت هذه الظاهرة بين أوساطهم ، وآل أمر الاَتباع إلى طاعة عمياء لاَئمتهم ودعاتهم في كلّ حكم يصدر عن القيادة العامة ، أو الدعاة الخاصين دون الاِفصاح عن أسبابه ، وبلغ بهم الاَمر إطاعتهم لاَئمّتهم في رفع بعض الاَحكام الاِسلامية عن الجيل الاِسماعيلي بحجة انّ العصر يضاده ، ويشهد على ذلك ما كتبه الموَرّخ الاِسماعيلي إذ يقول عن إمام عصره آغا خان الثالث إنّه قال : « إنّ الحجاب يتعارض والعقائد الاِسماعيلية ، وإنّي أُهيب بكل إسماعيلية أن تنزع
__________________
١ ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : ٢٦٣.
 نقابَها ، وتنزل إلى معترك الحياة لتساهم مساهمة فعالة في بناء الهيكل الاجتماعي والديني للطائفة الاِسماعيلية خاصّة وللعالم الاِسلامي عامة ، وأن تعمل جنباً إلى جنب مع الرجل في مختلف نواحي الحياة إسوة بجميع النساء الاِسماعيليات في العالم ، وآمل في زيارتي القادمة أن لا أرى أثراً للحجاب بين النساء الاِسماعيليات ، وآمرك أن تبلغ ما سمعت لعموم الاِسماعيليات بدون إبطاء ».(١)
السابعة : كتمان الوثائق
إنّ استعراض تاريخ الدعوات الباطنية السرية وتنظيماتها رهن الوقوف على وثائقها ومصادرها التي تنير الدرب لاستجلاء كنهها ، وكشف حقيقتها وما غمض من رموزها ومصطلحاتها ، ولكن للاَسف الشديد انّ الاِسماعيلية كتموا وثائقهم وكتاباتهم وموَلفاتهم وكلّ شيء يعود لهم ولم يبذلوها لاَحد سواهم ، فصار البحث عن الاِسماعيلية بطوائفها أمراً مستعصياً ، إلاّ أن يستند الباحث إلى كتب خصومهم وما قيل فيهم ، ومن المعلوم انّ القضاء في حقّ طائفة استناداً إلى كلمات مخالفيهم ، خارج عن أدب البحث النزيه.
وهذا ليس شيئاً عجيباً إنّما العجب انّ الموَرّخين المعاصرين من الاِسماعيلية واجهوا نفس هذه المشكلة منذ زمن طويل ، يقول مصطفى غالب وهو من طليعة كتّاب الاِسماعيلية : « من المشاكل المستعصية التي يصعب على الموَرّخ والباحث حلّها وسبر أغوارها ، وهو يستعرض تاريخ الدعوات الباطنية السرية ، وتنظيماتها ، حرص تلك الدعوات الشديد على كتمان وثائقهم ومصادرهم ـ إلى أن يقول : ـ والمعلومات التي نقدّمها للمهتمّين بالدراسات الاِسلامية مستقاة من الوثائق والمصادر الاِسماعيلية السرية ». (٢)
__________________
١ ـ المصدر السابق : ٢٦٥ ، الخطاب لمن رفع السوَال إليه وهو الكاتب مصطفى غالب السوريّ.
٢ ـ المصدر نفسه : ٣٥.

نعم كانت الدعوة الاِسماعيلية محفوفة بالغموض والاَسرار إلى أن جاء دور بعض المستشرقين فوقفوا على بعض تلك الوثائق ونشروها ، وأوّل من طرق هذا الباب المستشرق الروسي الكبير البروفسور « ايفانوف » عضو جمعية الدراسات الاِسلامية في « بومبايي » وبعده البروفسور « لويس ماسينيون » المستشرق الفرنسي الشهير ، ثمّ الدكتور « شتروطمان » الاَلماني عميد معهد الدراسات الشرقية بجامعة هامبورغ ، و « مسيو هانري كوربن » أُستاذ الفلسفة الاِسلامية في جامعة طهران ، والمستشرق الانكليزي « برنارد لويس ».
يقول الموَرخ المعاصر : حتى سنة ١٩٢٢ ميلادية كانت المكتبات في جميع أنحاء العالم فقيرة بالكتب الاِسماعيلية إلى أن قام المستشرق الاَلماني « ادوارد برون » بإنشاء مكتبة إسماعيلية ضخمة غايتها إظهار الآثار العلمية لطائفة كانت في مقدمة الطوائف الاِسلامية في الناحية الفكرية والفلسفية والعلمية ، ولم يقتصر نشاط أُولئك المستشرقين عند حدود التأليف والنشر ، بل تعدّاه إلى الدعاية المنتظمة سواء في المجلاّت العلمية الكبرى ، كمجلة المتحف الآسيوية التي كانت تصدرها أكاديمية العلوم الروسية في مدينة « بطروسبورغ » ويشرف على تحريرها « ايفانوف » وبعض المستشرقين الروس أمثال « سامينوف » وغيره ممن دبّجوا المقالات الطوال عن العقيدة الاِسماعيلية.
ففي سنة ١٩١٨ كتب المستشرق « سامينوف » مقاله الاَوّل عن الدعوة الاِسماعيلية وقد جمعه بنفسه ونشره في مجلته كما نقل إلى اللغة الاِنكليزية عدداً ضخماً من الكتب الاِسماعيلية الموَلفة باللغتين « الكجراتية » و « الاَُوردية » ـ إلى أن قال : ـ لقد أحدثت تلك الدراسات الهامة ثورة فكرية وانقلاباً عكسياً في العالم الاِسلامي ، حيث قام عدد من الاَساتذة المصريين بنشر الآثار الاِسماعيلية في العهود الفاطمية ، فأخرجوا إلى حيّز الوجود عدداً لا بأس به من الكتب القيّمة

وأظهروا للعالم أجمع آثار هذه الفرقة. (١)
وبالرغم ممّا ذكره الموَرخ المعاصر من أنّ المصريين أظهروا للعالم أجمع آثار هذه الفرقة ، لكنّا نرى أنّه يعتمد في كتابه على وثائق خطية موجودة في مكتبته الخاصة ، أومكتبة دعاة مذهبه في سورية ، ويكشف هذا عن وجود لفيف من المصادر مخبوءة لم تر النور لحد الآن.
الثامنة : الاَئمّة المستورون
إنّ الاِسماعيلية أعطت للاِمامة مركزاً شامخاً ، وصنّفوا الاِمامة إلى رتب ودرجات ، وزوّدوها بصلاحيات واختصاصات واسعة ، وسيوافيك بيان تلك الدرجات والرتب ، غير أنّ المهم هنا الاِشارة إلى تصنيفهم الاِمام إلى مستور ، دخل كهف الاستتار ؛ وظاهر ، يملك جاهاًو سلطاناً في المجتمع.
فالاَئمّة المستورون هم الاَئمّة الاَربعة الاَوائل الذين جاءوا بعد إسماعيل ، ونشروا الدعوة سراًو كتماناً ، وهم :
١ ـ محمد بن إسماعيل الملقّب بـ « الحبيب » : ولد سنة ١٣٢ هـ في المدينة المنورة ، وتسلّم شوَون الاِمامة واستتر عن الاَنظار خشية وقوعه بيد الاَعداء ، ولقّب بالاِمام المكتوم ، لاَنّه لم يعلن دعوته وأخذ في بسطها خفية ، وتوفي عام ١٩٣ هـ.
٢ ـ عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل الملقّب بـ « الوفي » : ولد عام ١٧٩ هـ في مدينة محمود آباد ، وتولّى الاِمامة عام ١٩٣ هـ بعد وفاة أبيه ، وسكن السلْمية عام ١٩٤ هـ مصطحباً بعدد من أتباعه ، وهو الذي نظم الدعوة تنظيماً دقيقاً ، توفي عام ٢١٢ هـ.
٣ ـ أحمد بن عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل الملقب بـ « التقي » : ولد عام
__________________
١ ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : ٢٢ ـ ٢٣.

١٩٨ ، وتولّى الاِمامة عام ٢١٢ هـ ، سكن السلمية سراً حيث أصبحت مركزاً لنشر الدعوة ، توفي فيها عام ٢٦٥ هـ.
٤ ـ الحسين بن أحمد بن عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل المقلب بـ « الرضي » : ولد عام ٢١٢ هـ ، وقيل ٢٢٨ هـ ؛ وتولّى الاِمامة عام ٢٦٥ هـ ، ويقال انّه اتخذ عبد اللّه بن ميمون القداح حجة له وحجاباً عليه ، توفي عام ٢٨٩ هـ.
والمعروف بين الاِسماعيلية انّعبيد اللّه المهدي ـ الذي هاجر إلى المغرب وأسّس هناك الدولة الفاطمية ـ كان ابتداءً لعهد الاَئمّة الظاهرين الذين جهروا بالدعوة وأخرجوها عن الاستتار.
التاسعة : انّهم عُرِّفوا بالاِسماعيلية تارة ، والباطنية أُخرى ، والملاحدة ثالثاً ، وبالسبعية رابعاً.
قال المحقّق الطوسي : إنّما سُمُّوا بالاِسماعيلية لانتسابهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق.
والباطنية لقولهم : كلّ ظاهر فله باطن ، يكون ذلك الباطن مصدراً وذلك الظاهر مظهراً له ، ولا يكون ظاهر لا باطن له إلاّ ما هو مثل السراب ، ولا باطن لا ظاهر له إلاّ خيال لا أصل له.
ولقّبوا بالملاحدة لعدولهم من ظواهر الشريعة إلى بواطنها في بعض الاَحوال. (١)
وأمّا تسميتهم بالسبعية ، لاَنّهم قالوا : إنّما الاَئمّة تدور على سبعة سبعة ، كأيام الاَُسبوع ، والسماوات السبع ، والكواكب السبع. (٢) فدور الاِمامة عندهم لا يتجاوز عن سبعة ، ثمّ يأتي دور آخر على هذا الشكل.
__________________
١ ـ كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد : ٣٠١.
٢ ـ الشهرستاني : الملل والنحل : ١ / ٢٠٠.

ويقول أيضاً : قالوا الاِمام في عهد رسول اللّه 6 كان علياً 7 ، وبعده كان ابنه الحسن إماماً مستودعاً ، وبعده الحسين إماماً مستقراً ولذلك لم تذهب الاِمامة في ذرية الحسن7 ، ثمّ نزلت الاِمامة في ذرية الحسين ، وانتهت بعده إلى علي ابنه ، ثمّ إلى محمد ابنه ، ثمّ إلى جعفر ابنه ، ثمّإلى إسماعيل ابنه وهو السابع. (١)
ومعنى ذلك انّ الدور تمّ بإسماعيل ، وهو متم الدور ، وانّ ابنه بادىَ للدور الآخر كالتالي :
١ ـ محمد بن إسماعيل.
٢ ـ عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل الملقب بالرضي.
٣ ـ أحمد بن عبد اللّه الملقب بالوفي.
٤ ـ الحسين بن أحمد الملقب بالتقي.
٥ ـ عبيد اللّه المهدي بن الحسين.
٦ ـ القائم.
٧ ـ المنصور ، وبه يتم الدور ويبتدأ دور آخر بالاِمام المعز لدين اللّه.
ولو قلنا بخروج الحسن 7 لكونه إماماً مستودعاً لا مستقراً يتم الدور بمحمد بن إسماعيل. ويأتي الدور الجديد ، وسيوافيك تفصيله في بيان أدوار الاِمامة.
وعلى كلّتقدير فالسبعة عندهم لها مكانة خاصة ، فلا يتجاوز دور الاَئمّة في تمام مراحلها عن السبعة.
العاشرة : انّ المذهب الاِسماعيلي لم يظهر على مسرح الحياة بصورة مذهب مدوّن متكامل ، وإنّما أخذ بالتكامل عبر العصور ، وفي ظل احتكاك الدعاة بأصحاب الحركات الباطنية أوّلاً ، وأصحاب الفلسفات ثانياً. وقد ظهر في أوّل يوم
__________________
١ ـ كشف الفوائد : ٣٠٣ ، المتن.

نشوئه بصورة عقيدة بسيطة ، وهو أنّ الاِمام بعد جعفر بن محمد ابنه إسماعيل ، وانّه لم يمت بل غاب ويظهر حتى يملك الاَرض وهو القائم ، وهذه هي الاِسماعيلية المحضة ، ولم يخالط هذه العقيدة شيء آخر.
نعم لما كان قبولها محفوفاً بغموض ، فرجع بعضهم عن حياة إسماعيل ، وقالوا بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل لظنّهم انّ الاِمامة كانت في أبيه ، وانّ الابن أحقّ بمقام الاِمامة من الاَخ.
والظاهر من الشيخ المفيد أنّ الفرقة الاَُولى انقرضت ولم يبق منهم من يومأ إليه والفرقة الباقية إلى اليوم هي الاِسماعيلية غير الخالصة. (١) ثمّ صار المذهب الواحد مذاهب متشتتة ومختلفة. وقد كان للدعاة تأثير في نضوج العقيدة الاِسماعيلية وتكاملها مع اختلاف بينهم في بعض الاَُصول فمثلاً الداعي النسفي ( ... ـ ٣٣١ هـ) وضع كتابه « المحصول » في فلسفة المذهب.
ثمّ جاء بعده أبو حاتم الرازي (٢٦٠ ـ ٣٢٢ هـ) فوضع كتابه « الاِصلاح » وخالف فيه أقوال من سبقه.
ثمّ جاء بعده أبو يعقوب السجستاني الذي كان حيّاً سنة (٣٦٠ هـ) وكان أُستاذاً للكرماني فانتصر للنسفي وخالف أبا حاتم.
ثمّ جاء الكرماني (٣٥٢ ـ ٤١١ هـ) فألّف كتاب « راحة العقل » ، واستطاع أن يوفق بين آراء شيخه « السجستاني » وبين آراء « أبي حاتم الرازي ».
أضف إلى ذلك أنّ تأويل الظواهر لا يعتمد على ضابطة فكل يوَوّلها على ذوقه وسليقته ، فتجد بينهم خلافاً شديداً في المسائل التأويلية.
الحادية عشرة : الذي ظهر لي من التتبّع في كتب الاِسماعيلية انّ الفرقة المستعلية القاطنين في اليمن والهند أقرب إلى الحقّوعقائد جمهور المسلمين من
__________________
١ ـ المفيد : الاِرشاد : ٢٨٥.

النزارية ، فالطبقة الاَُولى متعبّدون بالظواهر وتطبيق العمل على الشريعة بخلاف أغلب النزارية خصوصاً الدعاة المتأخرين منهم ، فإنّهم يواجهون الاَحداث الطارئة والمستجدة بالتدخل في الشريعة (١) ويظهر ذلك من أبحاثنا الآتية.
وأخيراً فالمذهب الاِسماعيلي اكتنفه غموض وأحاطه إبهام ، فإصابة الحقّ في جميع المراحل أمر مشكل ، نستعينه سبحانه أن يوفقنا لبيان الحقّ ويحفظنا عن العثرة انّه هو المجيب.
والذي يهم الباحث هو تبيين جذور المذهب وانه كيف نشأ؟ وهل كان هناك اتصال بين الاِسماعيلية ، والحركات الباطنية التي نشأت في عصر الصادق   أو لا؟  
__________________
١ ـ أعيان الشيعة : ١٠ / ٢٠٢ ـ ٢٤.

 الاِسماعيلية والاَُصول الخمسة

عقيدتهم في الاِمامة
تحتل الاِمامة عند الاِسماعيلية مركزاً مرموقاً حيث جعلوها على درجات ومقامات وزودوا الاَئمة بصلاحيات واختصاصات ، ولتسليط الضوء على عقيدتهم فيها نبحث في مقامين :
المقام الاَوّل : الاِمامة المطلقة
إنّدرجات الاَئمّة ورتبهم لا تتجاوز عن الخمسة من دون أن تختص بالشريعة الاِسلامية ، بل تعم الشرائع السماوية كلّها ، وبما أنّمذهب الاِسماعيلية أُحيط بهالة من الغموض عبر القرون لم يكن من الممكن أن يقف أحداً عليها إلاّطبقة خاصة من علمائهم ، وكانوا يبخلون بآرائهم وكتبهم على الغير ، غير أنّ الاَحوال الحاضرة رفعت الستر عن كتبهم ومنشوراتهم ، فقام المستشرقون وفي مقدّمتهم « ايفانوف » الروسي وتبعه عدد آخر من المحقّقين بنشر آثارهم ، وعند ذلك تجلّت الحقيقة بوجهها الناصع ، كما قام الكاتبان الاِسماعيليان عارف تامر ومصطفى غالب ببذل الجهود الحثيثة في نشر آثار تلك الطائفة ، فكشفا النقاب عن وجه العقيدة الاِسماعيلية وبيّناها بوجه واضح خالياً من الغموض والتعقيد الموجودين في عامة كتب الاِسماعيلية وإن كان بين الكاتبين اختلاف في بعض

الموارد ، ونحن نعتمد في تفسير درجات الاِمامة على كتاب « الاِمامة في الاِسلام » للكاتب عارف تامر ، وإليك بيانه :
درجات الاِمامة خمس وهي :
١ ـ الاِمام المقيم.
٢ ـ الاِمام الاَساس.
٣ ـ الاِمام المتم.
٤ ـ الاِمام المستقر.
٥ ـ الاِمام المستودع.
وربما يضاف إليها رتبتان الاِمام القائم بالقوة ، وألاِمام القائم بالفعل.
فالمهم هو الوقوف على هذه الدرجات.
يعتقد عارف تامر في كتابه « الاِمامة في الاِسلام » انّ هذه الدرجات ظلّت حقبة طويلة من الزمن مجهولة لدى الباحثين إلاّ طبقة خاصة من العلماء ، أو لا أقلّ في التقية والاستتار وألكتمان.
١ ـ الاِمام المقيم
هوالذي يقيم الرسول الناطق ويعلّمه ويربّيه ويدرجه في مراتب رسالة النطق ، وينعم عليه بالاِمدادات وأحياناً يطلقون عليه اسم « رب الوقت » و « صاحب العصر » ، وتعتبر هذه الرتبة أعلى مراتب الاِمامة وأرفعها وأكثرها دقة وسرية.
٢ ـ الاِمام الاَساس
هو الذي يرافق الناطق في كافة مراحل حياته ، ويكون ساعده الاَيمن ،

وأمين سره ، والقائم بأعمال الرسالة الكبرى ، والمنفذ للاَوامر العليا ، فمنه تتسلسل الاَئمة المستقرون في الاَدوار الزمنية ، وهو المسوَول عن شوَون الدعوة الباطنية القائمة على الطبقة الخاصة ممن عرفوا « التأويل » ووصلوا إلى العلوم الاِلهية العليا.
٣ ـ الاِمام المتم
هو الذي يتم أداء الرسالة في نهاية الدور ، والدور كما هو معروف أصلاً يقوم به سبعة من الاَئمة ، فالاِمام المتم يكون سابعاً ومتماً لرسالة الدور ، وانّ قوته تكون معادلة لقوة الاَئمّة الستة الذين سبقوه في الدور نفسه بمجموعهم. ومن جهة ثانية يطلق عليه اسم ناطق الدور أيضاً ، أي انّ وجوده يشبه وجود الناطق بالنسبة للاَدوار. أمّا الاِمام الذي يأتي بعده فيكون قائماً بدور جديد ، وموَسساً لبنيان حديث.
٤ ـ الاِمام المستقر
هو الذي يملك صلاحية توريث الاِمامة لولده ، كما أنّه صاحب النص على الاِمام الذي يأتي بعده ، ويسمّونه أيضاً الاِمام بجوهر والمتسلم شوَون الاِمامة بعد الناطق مباشرة ، والقائم بأعباء الاِمامة أصالة.
٥ ـ الاِمام المستودع
هو الذي يتسلّم شوَون الاِمامة في الظروف والاَدوار الاستثنائية ، وهو الذي يقوم بمهماتها نيابة عن الاِمام المستقر بنفس الصلاحيات المستقرة للاِمام المستقر ، ومن الواضح أنّه لا يستطيع أن يورث الاِمامة لاَحد من ولده ، كما أنّهم يطلقون عليه (نائب غيبة). (١)
__________________
١ ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : ١٤٣ ـ ١٤٤.

والعجب انّهم عندما بحثوا موضوع الاِمامة لم يجعلوا تسلسلها من إسماعيل ابن جعفر الصادق فحسب ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك ، وحجتهم انّ الاِمامة إذا كانت قد بدأت من هذا العهد المبكر فتكون محدثة ولا يقوم وجودها على أساس (١) ، فذهبوا إلى عهد بدء الخليقة المعروف من عصر آدم إلى يومنا هذا ، ثمّ أضافوا إلى ذلك قولهم بالاَدوار والاَكوار ، فقد جعلوا كل دور يتألف من إمام مقيم ورسول ناطق أو أساس له ، ومن سبعة أئمة يكون سابعهم متم الدور ، ويمكن أن يزيد عدد الاَئمّة عن سبعة في ظروف أُخرى وفي فترات استثنائية ، وهذه الزيادة تحصل في عداد الاَئمّة المستودعين دون الاَئمّة المستقرين ، أمّا الدور فيكون عادة صغيراً وكبيراً ، فالدور الصغير هو الفترة التي تقع بين كلّ ناطق وناطق يقوم فيها سبعة أئمّة. أمّا الدور الكبير فيبتدىَ من عهد آدم إلى القائم المنتظر الذي يسمّى دوره الدور السابع ، ويكون بالوقت ذاته متماً لعدد النطقاء الستة.
فلاَجل عرض صورة عن عقائدهم في مجال تسلسل الاِمامة من عصر أبينا آدم إلى يومنا هذا سوف نأتي بالجداول التي استخرجها ، عارف تامر في كتاب « الاِمامة » ومصطفى غالب في كتاب « تاريخ الدعوة الاِسماعيلية ».
يقول عارف تامر : إنّ هذا الموضوع من أدق المواضيع وأصعبها ، بل هو بالحقيقة من الدعائم المتينة في عقائد الاِسماعيلية ، وقد يبدو لكل باحث فيها انّ دعاتها حافظوا على سريته التامة طيلة العصور الماضية وجعلوا معرفته مقتصرة على طبقة خاصة من العلماء والدعاة. (٢)
وسوف توافيك تلك الجداول تحت عنوان « شجرة الاِمامة الاِسماعيلية » في الفصل الحادي عشر فانتظر.
__________________
١ ـ ماذا يعنون من هذه الجملة ، هل الاِمامة أمر أزلي ، أو الاِمام موجود قديم مع تضافر البراهين على حدوث ما سوى اللّه سبحانه؟!
٢ ـ الاِمامة في الاِسلام : ١٤١.

المقام الثاني : في الاِمامة الخاصة
قد تعرفت على نظام الاِمامة في مذهب الاِسماعيلية ولكن المهم هو الوقوف على ملامح الاِمامة عندهم بصورة عامة ، وقد تصدّى لذكرها الداعي اليمني علي ابن محمد الوليد في كتابه « تاج العقائد » ونحن ننقل منه ما يبيّن عقيدتهم في ذلك :
١ ـ صاحب الوصية أفضل العالم بعد النبي في الدور
إنّ صاحب الوصية هو الذي جوهره لاحق بجوهره ، وكماله مشتق من كماله ، وإنّ معاني أقواله ورموز شريعته وأسرار ملته وحقائق دينه توجد عنده ، ولا تتعداه ، ولا توَخذ إلاّ منه ، وانّه المبرهن عن أغراضه ، والمفصح لاَقواله ، المبين لاَفعاله ، القائم بالهداية بعده لمن قصد المعرفة لما جاء به ، والحافظ لشريعته من الآراء المختلفة ، وبذلك كان وصياً ، ولا يوجد في الاَصحاب من يقوم مقامه ، ولا يسد مسده في حفظ معاني تكليفه الذي أخذه عن باريه مع ما يوجد فيه من الطهارة ، وصدق القول ، وزكاة النفس ، والاحتواء على العلوم ، والقربة منه في الطبع ، والجوهر ، والسابقة ، والصحبة ، وألاَصل. (١)
في أنّ الإمامة في آل بيت رسول الله 6
يُعْتقد انّ الاِمامة في آل بيت رسول اللّه 6 من نسل علي وفاطمة فرض من اللّه سبحانه أكمل به الدين فلا يتم الدين إلاّ به ، ولا يصحّ الاِيمان باللّه والرسول إلاّ بالاِيمان بالاِمام وا لحجّة ، ويدل على فرض الاِمامة إجماع الاَُمّة على أنّ الدين والشريعة لا يقومان ولا يصانان إلاّ بالاِمام ، وهذا حقّ لاَنّه سبحانه لا يترك الخلق
__________________
١ ـ تاج العقائد : ٦٥.

سدى. ولا يمنعهم هذه الفريضة التي لا تسوغ الهداية إلاّ بها.
وإنّ الرسول نص على ذلك نصاً تشهد به الاَُمة كافة بقوله : « الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا ، وأبوهما خير منهما » ، ولم يحوج الاَُمّة إلى اختيارها في تنصيب الاِمام ، بل نص عليها بهذا لاَنّ بالاِمامة كمال الدين.
فلو أنّ الرسول تركها حتى تكون الاَُمة هي التي تفعلها ويتم بما فعلوه (في) دين اللّه بقولهم انّ الرسول لم ينص على الوصية ولا استخلف أحداً لخرجت الاِمامة عن أن تكون فرضاً على الاَُمة ، وكان سبيلها سبيل الولاة في كلّ زمان ، القائمين بأُمور الناس.
إلى أن قال : وقد اعترف المخالفون انّ إمامة الثلاثة ليست بنص ، لاَنّهم قد جحدوا النص والوصية وفيما جرى في السقيفة من الاَُصول ما يجب للعاقل أن يفكر فيه وغير معيوب على المتخلّف عن بيعتهم والخلاف لهم فيها إذ كان الحال فيما تقرّر مشهوراً غير مستور ، والعودة إلى الحقائق أولى لمن يعتمد عليها إذا كان طالباً للهداية مع ترك التعصب. (١)
٣ ـ في أنّ الاِمامة وارثة النبوة والوصاية
الاِمام يرث من النبوة الظواهر والاَحكام وجري الاَُمور على ما علمه من النظام.
ويرث من صاحب الوصاية المعاني التي ورثها عن النبوة ، ليكون الكمال موجوداً لقاصده ، ومسلماً في شريعته التي جعلها عصمة لمن التجأ إليها ، وطهارة لمن التزم قوانينها وسار على محجَّتها ، فتسلم له دنياه ويفوز في عقباه بالتجائه إلى من عنده علم النجاة وحقيقة الشريعة السالمة من كلّتغيير وتمويه مع سلامة
__________________
١ ـ المصدر نفسه : ٦٥ ـ ٦٦.

توحيده لباريه. (١)
أقول : ولا يذهب عليك أنّ الاِمام على هذا أفضل من النبي كما هو أفضل من الوصي ، لاَنّ الاِمام جامع للمنقبتين ظاهر الشريعة وباطنها ، إلاّ إذا كان النبي رسولاً فهو جامع أيضاً للمنقبتين ، ولا أدري من أين لهم هذه الضوابط والقواعد ، وما هو الدليل على هذا التقسيم؟!
٤ ـ في انقطاع الوصاية بعد ذهاب الوصي
يُعْتقد أنّ الوصي إنّما يوصيه الرسول على معالم شريعته ، وأسرار ملّته ، وعيون هدايته ، وحقيقة أقواله ، وحفظ أسراره ، فإذا قام بها ومضى إلى دار كرامته استحال قيام وصي ثان بعده ، لاَنّ الشريعة لم تتغير ، ولا ذهبت فتأتي أوامر جديدة تحتاج إلى من يوصّى بحفظها والقيام بمعانيها وضبط أحوالها ، فلهذا كان انقطاع الوصية بعد مضي الوصي الذي خلّفه الرسول في العالم. (٢)
٥ ـ في استمرار الاِمامة في العالم دون النبوة والوصاية
يُعْتقد : انّ الاِمامة مستمرة الوجود في الاَدوار جميعها ، من أوّلها إلى آخرها ، لاَنّ الاِمام هو الوارث لما جاء به النبي 6 من الشرع والوصي على البيان ، لكونه حافظاً في الاَُمة على الهداية التي ورثها منهما ، ولمّا كان أمر الرسول والوصي جارياً على أهل الدور من أوّله إلى آخره ، كان من ذلك حفظ درجة الاِمامة على الدور بالاستمرار ، والتوالي ، إذ لم يبق زيادة تستجد فتحتاج إلى منزلة مستجدة ، فكانت هداية موروثة منسوبة إلى أصل الدور ، ومعلم الشريعة والبيان ، فلا تزال هذه
__________________
١ ـ تاج العقائد : ٦٦.
٢ ـ المصدر نفسه : ٦٨.

الحالة مستمرة إلى حين تأذن الحكمة الاِلهية بتجديد شريعة ثانية ، وأمر يحتاج العالم إليه لحفظ نظامه ، ولمّا كانت هذه الشريعة ، أي شريعة محمد ، لا تنسخ ، ولا يفقد حكمها حتى قيام الساعة ، بقيت الاِمامة فيها موجودة ، ومحفوظة إلى حين قيام الاَشهاد ، ويوم التناد ، فلهذا استمرت الاِمامة في العالم دون النبوة ، والوصاية. (١)
وعلى هذا فكلّ إمام غائب أو حاضر بعد الاِمام الصادق يساوي في الفضل والعلم والكمال الاِمام المنصوص في يوم الدار ويوم الغدير ، فالاِمام الحاضر ، أعني به : كريم آغا خان ، تساوي كفته في معالي الاَُمور كفّة الاِمام علي بن أبي طالب 7 فيقوم بنفس ما يقوم به الاِمام.
ياتُرَى ما هذا الجور في القضاء والاعتساف في الحكم ، فكيف يكون الاِمام المذكور إماماً عالماً محيطاً بالشريعة وواقفاً على أسرارها مع أنّه تلقى علومه الاَوّلية في مدارس سويسرا فأتقن الانكليزية والفرنسية والاِسبانية كما درس اللغة العربية وبعد أن أكمل تحصيله في سويسرا انتسب إلى جامعة هارفرد الاَمريكية؟!! (٢)
والاِمام الذي يتلقّى العلوم الظاهرية في المدارس والجامعات كيف يكون واسطة في الفيض ، واقفاً على الاَسرار ، وإماماً يعادل في التقى والعصمة والعلم والفضل الاَئمّة المعصومين المنصوبين من قبل النبي 6؟!
وكأنّي بابن المعرة يقول :
فيا موت زر إنّ الحياة ذميمة

و يا جد جدي ان سعيك هازل
__________________
١ ـ تاج العقائد : ٦٩.
٢ ـ راجع تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : ٤٠٣.

٦ ـ في أنّ الاِمام لا تجوز غيبته من الاَرض
إنّ الاِمام لا تجوز غيبته عن الاَُمة بوجه ، ولا بسبب ، وإن حدثت فترة فتكون خواص شيعته على اتصال به ويعرفون مقامه ، ويدلّون من خلصت نيته إلى مقره.
والغيبة لا تخلو من ثلاث خصال :
١ ـ أن تكون غيبته من قبل اللّه.
٢ ـ أن تكون من قبل نفسه.
٣ ـ أن تكون من قبل الناس وخيفة من أعدائه.
فباطل أن تكون الغيبة من قبل اللّه ، لاَنّذلك لا يليق بالحكيم العادل.
وإذا رجعنا إلى نفسه فلا نجدها من قبلها ، لاَنّه معصوم من الخطايا وفرض ولايته يوجب حضوره.
وإن كان من قبل الناس ، فقد شكّ في دين اللّه ، لاَنّ اللّه نصبه وتكفل إيصال الهداية إلى الاَُمة به ، وعرّفه أنّه لا يخرج من العالم حتى يورث مقامه هادياً مثله.
إذن فليس لخوفه من الناس وجه.
إلى أن قال : والاِمام هوالحاكم بين عباد اللّه ، الموهوب له الحكم من الحكيم الخبير والنائب في خلافته على الخلق ، الوارث الاَرض ، والمتصرف بأحكامها ولا يجب زواله ولا عدمه بوجه من الوجوه. (١)
أقول : إنّ المراد من الغيبة ليس هو الغيبة عن عالم الوجود كما تصوّره ذلك الكاتب ، بل المراد من الغيبة هو الغيبة عن أعين الناس ، فهو يبعث بين الناس فيعرفهم ولا يعرفونه ، لا أنّه يخرج من الدنيا ويعيش في عالم آخر يباين ذلك العالم ،
__________________
١ ـ تاج العقائد : ٦٩ ـ ٧٠.

وهذا يعرب عن أنّ الداعي لم يرجع إلى كتب الاِمامية الاثني عشرية ، وهو مع ذلك يتصرف في الاَُمور حسب مصالح الناس وإن كان الناس لا يعرفونه ، ويتشرف بحضوره ويتمتع بلقائه من هو أهل لذلك وإن كان يكتمه ولا يظهره إلاّللخاصة من الناس.
هذا هو القرآن الكريم يعرّف لنا ولياً من أوليائه سبحانه ، كان يعيش بين الناس ويركب سفينتهم ويتصرف فيها أمام أعينهم وهم لا يعرفونه ويتصرف في أُمور أشد من ذلك يقتل غلاماً معصوماً بإذن من اللّه ولا يُلاحَق ، ويبني جداراً في حال الانقضاض تحته كنز ليتيمين لغاية الستر عليه حتى يستخرجا كنزهما رحمة من ربه يقول سبحانه :
« أَمّا السَفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُّ أَنْ أَعِيبَها وكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً * وأمّا الغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُوَْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً * وَأَمّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينةِ وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنْزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ». (١)
وقد غاب عن أعين الناس على وجه لم يكن الرسول موسى 7 عارفاً به ، وإنّما عرفه بتعريف من اللّه سبحانه.
فلماذا لا تكون غيبة الاِمام بهذه الصورة ، أي يكون غائباًعن أعين الناس ولكن متصرفاً في مصالحهم ويلتقي مع خيار أُمته؟
هذا وانّ لاَصحابنا كتباً ورسالات حول غيبة الاِمام الثاني عشر كشفوا فيها علل الغيبة ومصالحها وفوائدها ، فمن أراد فليرجع إليها. (٢)
__________________
١ ـ الكهف : ٧٩ ـ ٨٢.
٢ ـ لاحظ ، كمال الدين للشيخ الصدوق ، الغيبة للشيخ الطوسي ، ومنتخب الاَثر للعلامة الصافي.

٧ ـ في الوصية بعد الرسول 6 إلى الوصي
يعتقد بوصية الرسول إلى علي بن أبي طالب 7 من اثني عشر وجهاً ، منها :
١ ـ قول النبي 6 : « لا يحل لامرىَ مسلم أن يبيت ليلتين إلاّو وصيته مكتوبة عند رأسه ».
٢ ـ إجماعنا على أنّ الرسول استخلف علي في المدينة في غزوة تبوك مقتدياً باستخلاف موسى لاَخيه هارون عند مضيه لميقات ربه ، وفي هذا الاستخلاف قال له : « يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ».
٣ ـ حديث الدار والاِنذار وقد ذكره المفسرون في تفسير قوله سبحانه : « وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاََقْرَبينَ » (١)(٢)
أقول : والعجب انّه لم يذكر حديث الغدير الذي اتفقت الاَُمّة على نقله!!
٨ ـ في قعود علي عن الخلافة
ويعتقد انّ قعود الوصي بعد الوصية لم يكن عن عجز ، ولا تفريط ، وذلك لاَنّ الرسول6 قد أعلمه عن دولة المتغلبين ، وعقوبة اللّه عزّ وجلّ لهم في ذلك بقوله : « إنّ لك يا علي في أُمّتي من بعدي أمر ، فإن ولّوك في عافية ، وأجمعوا عليك في رضى ، فقم بأُمورهم ، وإن اختلفوا واتبعوا غيرك ، فدعهم وماهم فيه ، فإنّ اللّه سيجعل لك مخرجاً ».
فلمّا قام أمير الموَمنين في يوم الجمل وصفين والنهروان قام في الوصية أيضاً لقول الرسول6 : « يا علي تقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين ».
__________________
١ ـ الشعراء : ٢١٤.
٢ ـ تاج العقائد : ٦٠ ـ ٦٤.

فليت شعري من هوَلاء الذين نكثوا ومرقوا وقسطوا حتى قاتلهم ، هل هم غير أُمّة محمد الذين نكثوا بيعة وصيّه ومرقوا عن أمره ، وقسطوا وأظهروا الاَحقاد الكامنة له ولاَهل بيته بالرغم من أوامر الرسول إليهم. (١)
٩ ـ في فساد إمامة المفضول
يعتقد فساد إمامة المفضول وإبطال إمامة المشرك الناقض لقوله عزّوجلّ : « وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَإِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَوَمِنْ ذُرِّيَّتي قالَلا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمينَ ». (٢)
فجلّثناوَه وتقدّست أسماوَه بيّن أنّ عهد الاِمامة وخلافة اللّه تعالى لا تلحق من أشرك باللّه طرفة عين ، وإنّما يكون ميراثها في الطاهرين المصطفين العلماء ، لقوله تعالى : « ثُمَّ أَورَثْنَا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبيرِ ». (٣)
وقوله : « أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون ». (٤)
وقد ثبت انّ كلّ من دخل في الاِسلام من الجاهلية فقد عبد الاَصنام وتدنس بالشرك مع ما كانوا يفعلون برسول اللّه أيام حياته ممّا هو مشهور غير خفي.
وتوقف كلّ واحد منهم بعده وحاجتهم إلى علم علي مع طهارته واصطفائه عليهم في حالتي العلم والجسم ، وكونه لم يسجد لصنم ، ولا توقف عن أمر محمد 6 ولا كانت له سابقة في الجاهلية ، ولا أشرك في اللّه طرفة عين ، ولا
__________________
١ ـ المصدر نفسه : ٧٢.
٢ ـ البقرة : ١٢٤.
٣ ـ فاطر : ٣٢.
٤ ـ يونس : ٣٥.

تحمّل ، ولا كذب ، ولا داهن ، ولا مال إلى مفضول ، بالرغم من ميل الغير عنه إلى كل مفضول ، مع إقرار المفضول على نفسه بقوله : « ولّيت عليكم ولست بخيركم » وغير ذلك من قوله : « فإن غلطت فردّوني ، وإن اعوججت فقوّموني ، فإنّ لي شيطاناً يغريني ».
فليت شعري على أي شيء اعتمدوا بتقديم من قدّموه دون نص ، أو وصية ». (١)
١٠ ـ في إبطال اختيار الاَُمّة للاِمام
ويعتقد انّ اختيار الاَُمّة لنفسها الاِمام غير جائز ، لاَنّ إقامة الحدود على الاَُمّة هي للاِمام ، ففيها بعض رسوم الشريعة المبسوطة إلى الاِمام ، من دون الاَُمة ، فإقامة الاِمام الذي تتعلّق به كلّ أُمور الشريعة ، لاَنّه صاحب المقام العظيم ، والمستخلف أولى أن يكون بأمر اللّه ، وإذا كان إقامة الاِمام بأمر اللّه كان من ذلك الاِيجاب بأنّ الاختيار من الاَُمّة باطل.
وانّ صحّة العلم انّ المختار للاِمامة لا يكون إلاّ بعد الاِحاطة بجميع ما يحتاج إليه في الاِمامة من علم الشريعة والكتاب والاَحكام ، ثمّ العلم بأنّ ما عرف ممّا يحتاج إليه في الاِمامة موجود فيمن يختاره هوكاف فيه. (٢)
١١ ـ في أنّ كلّ متوثب على مرتبة الاِمام فهو طاغوت
ويعتقد انّ كلّ من دفع الاِمام عن مقامه ومنزلته وعانده بعد وصية النبي له في كلّ عصر وزمان ، إنّما هو المشار إليه باسم الطاغوت ، وهو رئيس الجائرين
____________
١ ـ تاج العقائد : ٧٥ ـ ٧٦.
٢ ـ تاج العقائد : ٧٦.

الحائدين عن أمر الرسول ، المعنيّ بالظالم ، الذي توجهت إليه الاِشارة وإلى أمثاله في كلّ دور : « وَيَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَني اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسولِ سَبيلاً ». (١) إلى قوله تعالى : « لَقَدْ أَضَلّني عَنِ الذِّكْرِ بعْدَ إِذْ جاءَني وَكانَ الشيطانُ لِلاِنْسانِ خَذُولاً ». (٢)
فالطاغوت هو رئيس الجائرين المعتدي على المنصوص عليه ، والشيطان معاضده على الباطل القائم في نصرته المنمِّق للاَحاديث الكاذبة ليصرف وجوه الناس إليه ، ويصدّهم عن أمر اللّه ورسوله بالكون معه ، والطاعة له ، وإذا نظروا إلى ما تضمّنته الشريعة ، يتبين لهم الاَمر على جليته ، وتنفتح لهم طرق الهداية ويقع الانتباه ويزول الهوى ويشملهم التوفيق في قصدهم. (٣)
١٢ ـ في أنّ الاَرض لا تخلو من حجّة للّه فيها
يعتقد انّ الاَرض لا تخلو من حجّة للّه فيها : من نبي ، أو وصي ، أو إمام يقوم المسائل ، ويقيم الحدود ، ويحفظ المراسيم ، ويمنع الفساد في الشرع ، ويقبل الاَعمال ، ويزكّي الاَفعال ، وتقام به الحجة على الطالب ، ويزيل المشكلات إذا حلت على المتعلمين ، ويركز الاَُمة بعد غيبة نبيها ، إذا كان شخصه غير مستقر البقاء في العالم ، محفوظ النسب ، معروف الولادة ، متبِع دينَ آبائه ، لا يرجع عن أقوالهم ، ولا يقدم غيرهم ، ولا يكون مأمون خلاف غيره ، ولا مشير في الفضيلة إلى سواه ، متبوع لا تابع ، مقصود لا قاصد ، مرغوب في حكمه ، وصحّة أفعاله ، وتعاليمه ، وهدايته ، لاَنّ الرسول جعله دليلاً للمتعلم ، ونجاة للحائر. (٤)
__________________
١ ـ الفرقان : ٢٧.
٢ ـ الفرقان : ٢٩.
٣ ـ تاج العقائد : ٧٨ ـ ٧٩.
٤ ـ تاج العقائد : ٧٠ ـ ٧١.

أقول : إنّ ما ذكره من أنّ الاَرض لا تخلو من حجة للّه حق ، ولكن السبب ليس ما جاء في كلامه من إقامة الحدود ، وحفظ المراسم ، ومنع الفساد ؛ فإنّ ذلك يقوم به سائر الولاة أيضاً ، وإنّما الوجه انّه الاِنسان الكامل وهو الغاية القصوى في الخلقة ويترتب على وجود ذلك الاِنسان الكامل بقاء العالم بإذن اللّه سبحانه وآخره لحصول الغاية وإلى ذلك يشير الحديث النبوي :
« أهل بيتي أمان لاَهل الاَرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الاَرض ». (١)
وقوله : 6 لعلي 7 : « إنّي وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي رزّ الاَرض ـ أعني أوتادها وجبالها ـ بنا أوتد اللّه الاَرض أن تُسيخ بأهلها فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الاَرض بأهلها ولم ينظروا ». (٢)
وقال 6 : « أهل بيتي أمان لاَهل الاَرض ، فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الاَرض من الآيات ما كانوا يوعدون ». (٣)
وقال الاِمام أمير الموَمنين 7 : « اللّهمّ بلى لا تخلو الاَرض من قائم للّه بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً ». (٤)
١٣ ـ منع المبتدي عن الكلام
ويُعتقد انّ منع المبتدي عن الكلام في الدين ، صفات ، واقتداء بأفعال اللّه ، وذلك انّ اللّه سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الطفل يتكلم عند خروجه وولادته ، وإنّما تأخر عن الكلام لحكمة أوجبها لتكون لاَبويه عنده فضيلة التنطيق ، والتلقين ، والتعليم ، وكذلك المبتدي يمنع من المجادلة ، والنطق بما يشق على غيره ،
__________________
١ ـ الشريف الحضرمي : رشفة الصادي : ٧٨ ، الصواعق المحرقة : ٢٣٣ ـ ٢٣٤.
٢ ـ الغيبة : ٩٩ ، عنه البحار : ٣٦ / ٢٥٩ ح٧٩.
٣ ـ الصواعق المحرقة : ١٥٠.
(٤) ٤.نهج البلاغه : ٤٩٧ ، قسم الحكم ، الحكمة رقم ١٤٧.

ومتى تعلم من شيخه أو معلّمه القائم له مقام الصورة ، فيعلمه الاَُصول التي يجب الاحتياط بها نموذجاً يحتذى عليه في خطابه ، وكلامه فيما يجب الاحتياط له. (١)
١٤ ـ في أنّ القرآن لا ينسخه إلاّقرآن مثله
ويعتقد انّ القرآن لا ينسخه إلاّ قرآن مثله ، والدلالة على ذلك موافقة السنّة للكتاب ، قال اللّه تعالى : « وإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وأللّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ». (٢) قال النبي 6 في خطبة الوداع : « لا يقولنّ عليَّ أحد منكم مالم أقله ، فإنّي لم أحلل إلاّ ما أحلّه اللّه في كتابه ، وكيف أُخالف كتاب اللّه وبه هداني؟ وكيف أخالف كتاب اللّه وبه هداني وعليّ أُنزل؟ ». (٣)
١٥ ـ في تخطئة القياس والاستحسان
لا ترخّص الشيعة قاطبة القضاء والافتاء بالقياس والاستحسان ، والرأي غير المستنبط من الكتاب والسنّة ويظهر من الداعي علي بن محمد الوليد ، اتّفاق الاِسماعيلية على منع العمل به قال :
إنّ الخطأ ، القول بالرأي ، والقياس ، والاجتهاد والاستحسان ، بدليل قوله تعالى : « وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتِكُمُ الكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلى اللّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلى اللّهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ». (٤)
وقال اللّه عزّوجلّ : « وقالُوا لَنْ تَمَسَنّا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ
__________________
١ ـ تاج العقائد : ١٨١.
٢ ـ النحل : ١٠١.
٣ ـ تاج العقائد : ٩٨.
٤ ـ النحل : ١١٦.
٢٢٤
اللّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ». (١) فالقائل في الدين برأيه واجتهاده قائل عن اللّه مالا يعلم.
قال النبي : « اتبعوا ولا تبدعوا ، فإنّ البدعة رأس كلّضلالة ، وكلّ ضلالة في النار ».
وقال عبد اللّه بن جعفر بن محمد : « إيّاك وخصلتان فيهما هلك من هلك ، إيّاك أن تكتفي برأيك ، أو تدين بمالا تعلم ».
وقال 7 : « إيّاك والقياس ، فإنّ أوّل من قاس إبليس فأخطأ في قوله : « قالَ ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني مِنْ نارٍ وخلَقْتَهُ مِنْ طِين » (٢) ».
فالدين لا يصح إلاّ بالاقتداء والاتباع للكتاب والسنّة ، والرضا ، والتسليم ، إلى الهادي الذي عرفناه ، ورضيناه من غير ابتداع ، ولا قول برأي ولا قياس ، ولا تقليد سلف.
قال رسول اللّه 6 : « الاَُمور ثلاثة : أمر قد بان لك رشده فاتبعه ، وأمر بان لك غيّه فاجتنبه ، وأمر أشكل عليك فرده إلى أهله ».
وقال الاِمام جعفر بن محمد لاَبي حنيفة النعمان القائل بالرأي والقياس : « يا نعمان بلغني انّك تعمل بالقياس ، فأخبرني إن كنت مصيباً : لم جعلت العين مالحة ، والمنخران رطبان ، والاَُذنان مرّتان ، واللسان عذب؟ » قال : لا أدري ، فأخبرني جعلت فداك؟ فقال الصادق : « العين مالحة لاَنّها شحمة ، ولا تصلحها إلاّ الملوحة ؛ والاَنف رطب لاَنّه مجرى الدماغ والنفس ؛ والاَُذن مرّة لقتل الدواب ، متى دخلتها ؛ وجعل اللسان عذب ليعرف به طعوم الاَشياء. يا نعمان إذا لم تعرف
__________________
١ ـ البقرة : ٨٠.
٢ ـ الاَعراف : ١٢.

ما جعله اللّه في بنيتك ، وأحكمه في صورتك لتمام منافعك ، فكيف تقيس على دين اللّه عزّوجلّ؟! » فقال : أخبرني جعلت فداك ، لم تقضي الحائض الصيام دون الصلاة؟ فقال 7 : « لاَنّ الصلاة تكرر » قال : أخبرني لم وجب الغسل من الجنابة ، وألوضوء من الغائط؟ قال : « لاَنّ الجنابة تخرج من جميع الجسد ، بينما الغائط من مكان واحد » قال : أخبرني لم فضّل الرجل في الفرائض على الامرأة مع ضعفها ، وقوته؟ قال : « لاَنّ اللّه تعالى جعل الرجال قوامين على النساء ، ينفقون عليهن » ، فقال أبو حنيفة : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ». (١)
فترك القياس سعادة للمكلّف ، وضبط له عن الخوض في دين اللّه برأي النفس ، والهوى الغالب ، فإنّ أصل الشريعة ليس بقياس ، لاَنّه أخذ عن اللّه تعالى بتعليم الملك ، وأخذ من الرسول بتعليم دون قياس ، وأخذ من الوصي بتعليم النبي ، وأخذ من الاِمام بتعليم الوصي ، وأخذ الرجال بتعليم الاِمام دون رأي من يرى ، وقياس من قاس ، واجتهاد من اجتهد ، بالظنون الكاذبة ، والرأي ، والآراء المتناقضة. (٢)
__________________
١ ـ الاَنعام : ١٢٤.
٢ ـ تاج العقائد ومعدن الفوائد : ٨٢ ـ ٨٤.

الاِسماعيلية والاَُصول الخمسة

عقيدتهم في المعاد وما يرتبط به
المعاد بمعنى عود الاِنسان إلى الحياة الجديدة من أُسس الشرائع السماوية وهي حقيقة لا تنفك عن الاِيمان باللّه ، لذا نرى أنّ أصحاب الشرائع اتّفقوا على وجود المعاد بعد الموت : « وأنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُور ». (١) ولولا القول بالمعاد لما قام للدين عمود ، ولا اخضرّ له عود.
نعم ، اختلفوا في كونه جسمانياً أو روحانياً وعلى فرض كونه جسمانياً فهل الجسم المعاد جسم لطيف برزخي أوجسم عنصري؟
والاِمعان في الآيات الواردة حول المعاد يثبت الاَخير بلا شك ، فهلمّ معي ندرس عقيدة الاِسماعيلية في المعاد وكيفيته.
١ ـ في أنّ المعاد روحاني لا جسماني
قال الكرماني ـ بعد بيان النشأة الاَُولى في الدنيا ـ : ثمّ اللّه ينشأ النشأة الآخرة ، بقوله تعالى : « ولقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الاَُولى ـ التي هي خلق أجسامكم من قبيل جسمكم ـ فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ » (٢) فهلا تتفكرون وتوازنون وتعلمون انّ النظام في الخلق والبعث واحد ، وانّ النشأة الآخرة هي خلق الاَرواح وإحياوَها بروح القدس
__________________
١ ـ الحج : ٧.
٢ ـ الواقعة : ٦٢.

على مثال النشأة الاَُولى. ثمّ إنّه أفاض في الكلام ومحصّله : كما أنّ الاِنسان في عالم الاحشاء يكتسب آلات ليحس بها الكمالات عند مصيره إلى عالم الدنيا ، فهكذا هو في عالم الجسم والدنيا يكتسب آلات ليلتذ بها عند مسيره إلى عالم الآخرة ، فكما أنّه يستغني عند مسيره من عالم الاحشاء إلى عالم الحس عمّ ـ ا فيها ، فهكذا عند مسيره من عالم الحس إلى عالم الآخرة وإليك عبارته :
ولما كان الاَمر في وجود النفس وكمالها كالاَمر في جسمها كما نطق به الكتاب الكريم ، فالاِنسان ينتقل من رتبة النطفية إلى رتبة العلقية ، ومن رتبة العلقية إلى رتبة المضغية ومن رتبة المضغية كذلك أن يحصل له الآلات من عين وأُذن ويد ورجل وأنف ولسان وغير ذلك من الاَُمور ليقوم بالفعل بها عند مصيره إلى عالم الحس إذ كان وجودها له في تلك الظلمات وضيق الاَحشاء لا لها ، بل لفسحة الدنيا وما فيها فيكون ما يلتذ به أو يألم بحسب ما اكتسب في الاَحشاء من الآلات ، فهكذا وجودها في جسمها لا له بل لذاتها التي تليق بعالم آخر إليه مصيرها وعند مفارقة الجسم من جسمها مصيراً إلى الآخرة التي إليها إنهاوَها كمفارقة جسمها الاَحشاء مصيراً إلى عالم الحس الذي إليه وروده وتكون ذاتها في آخرتها لذاتها آلة تجد بها الملاذ كالجسم الذي هو لها في دنياها آلة تجد بها الملاذ ، وما يحصل لها من روح القدس في ذلك العالم كالروح الحسي الذي يحصل للجسم في هذا العالم. (١)
ومن تأمل فيما أفاض يذعن بأنّ المعاد عندهم روحاني لا جسماني ، وقد صرح بذلك أيضاً الداعي علي بن محمد الوليد ، وقال : ويعتقد انّ اللّه تعالى دعانا على ألسنة وسائطه بقبول أمره ، إلى دار غير هذه الدار فهذه الدار صورية وتلك مادية ومابينهما صوري ومادي. (٢)
__________________
١ ـ راحة العقل : ٣٦١ ، المشرع ١٣.
٢ ـ تاج العقائد : ١٦٥.

٢ ـ في التناسخ
وهو عود الروح بعد مفارقة البدن إلى الدنيا عن طريق تعلقها ببدن آخر كتعلّقها بالجنين عند استعدادها لاِفاضة الروح وله أقسام مذكورة في محلّها. (١)
وربما ينسب القول بالتناسخ إلى الاِسماعيليّة ، ولكن النسبة في غير محلّها.
يقول الداعي الكرماني : وأمّا من يرى الجزاء ، مثل محمد بن زكريا والغلاة وأهل التناسخ ، وانّه يكون في الدنيا ، فمن اعتقادهم انّهذه الاَنفس لها وجود قبل أشخاصها بخلاف اعتقاد الدهرية وأمثالها ممّن ينحون نحوهم الذين يقولون انّوجودها بوجود أشخاصها ، ويقولون : إنّها جوهر تتردد في الهياكل بحسب اكتسابها إلى أن تصفو وتعود ، فقد (٢) أوردنا في كتابنا المعروف بـ « الرياض » و « ميزان العقل » وغيرهما من رسائلنا في فساد قولهم ما يغني سيّما ما يختص بذلك في كتابنا المعروف بـ « المقاييس » رداً على الغلاة وأشباههم. (٣)
يقول الكاتب الاِسماعيلي مصطفى غالب : ويذهب أكثر الذين كتبوا عن عقائد الاِسماعيليّة من القدماء والمحدثين بأنّ الاِسماعيليّة يقولون بتناسخ الاَرواح ، أي أنّ الروح بعد الموت تنتقل إلى إنسان آخر أو إلى حيوان أو نبات على نحو ما نراه في العقيدة البوذية أو النصيرية مثلاً ، ويمكننا بعد أن درسنا كتب الاِسماعيلية السرية والعلنية دراسة دقيقة ، أن نقول بأنّهم لا يدينون مطلقاً بالتناسخ ، بل ذهبوا إلى أنّ الاِنسان بعد موته يستحيل عنصره الترابي (جسمه) إلى ما يجانسه من التراب ، وينتقل عنصره الروحي (الروح) إلى الملاَ الاَعلى ، فإن كان الاِنسان في حياته موَمناً بالاِمام فهي تحشر في زمرة الصالحين وتصبح ملكاً مدبراً ، وإن كان
__________________
١ ـ لاحظ شرح المنظومة للحكيم السبزواري : ٣١٢.
٢ ـ جواب لقوله : امّا.
٣ ـ راحة العقل : ٣٦٤.

شريراً عاصياً لاِمامه حشرت مع الاَبالسة والشياطين وهم أعداء الاِمام.
والاِمام نفسه يجري على جسده مثلما يجري على سائر الاَجساد بعد الموت ، حيث يتحلّل كل قسم إلى ما يناسبه ، فالجسم الترابي يعود إلى التراب ، والنفس الشريفة تعود إلى ما يجانسها ويناسبها ، فتصبح نفس الاِمام عقلاً من العقول المدبرة للعالم ، فلا تتناسخ ولا تتلاشى أي تتقمص. (١)
٣ ـ في الحساب
والحساب تابع للبعث وهو فعل يحدث عنه من النفس للنفس الثواب الذي هو الملاذ والمسار ، والعقاب الذي هو الاَلم والعذاب والغم ، وينقسم هذا الفعل إلى ما يكون وجوده في الدنيا ، وإلى ما يكون وجوده في الآخرة.
فأمّا ما يكون وجوده في الدنيا فينقسم قسمين. ثمّ أفاض الكلام في القسمين. (٢)
٤ ـ في الجنة
يقول الكرماني : إنّها موصوفة بالسرمد والاَبد ووجود الملاذ فيها أجمع ، وأنّها لا تستحيل ، ولا تتغير ، ولا يطرأ عليها حال ، ولا تتبدل ، والذي بهذه الصفة هو النهاية الاَُولة من الموجودات عن المتعالى سبحانه عن الموصوفات والصفات إبداعاً خارج الصفحة العليا من السماوات المعرب عنها بسدرة المنتهى الذي هوالمبدع الاَوّل. (٣)
__________________
١ ـ مصطفى غالب : في مقدمة كتاب الينابيع : ١٦.
٢ ـ راحة العقل : ٣٦٩.
٣ ـ راحة العقل : ٣٧٩.

٥ ـ في الملائكة
إنّ الملائكة على ضروب وكلّهم قد أُهّلوا لمنافع الخليقة ، فلا يتعدى أحد منهم بغير ما وكّل به ، كما قال وأخبر عنهم : « وما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ » (١)
والجوهر فيهم واحد ، وإنّما اختلفت أسماوَهم لاَجل ما وكلوا به فمنهم من هو في العالم العقلي ، ومنهم من هو في العالم الفلكي ، ومنهم من هو في العالم الطبيعي لحفظ ارجائه ، ثمّ استدل بالآيات القرآنية.
منها قوله : « فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ * وما لا تُبْصِرونَ » (٢) يعني الملائكة الذين قد أخفى سبحانه ذواتهم عن النظر ، وجعل المخلوق عن الطبائع محجوباً عنهم لا يراهم حتى يصير إمّا في منزلة النبي أو يخلص القبول من النبي بقرب الدرجة منه. (٣)
٦ ـ في الجن
ويعتقد انّ في الجن ذوات أرواح نارية وهوائية ومائية وترابية ، ويعتقد انّ الجن صحيح لا ريب فيه وهم على ضروب في البقاع والمصالح والمنافع والفساد والضرر ، إلى أن قال : فمنهم من هو في ارجاء العالم ممنوع عن مخالطة بني آدم ، ومنهم من هو مخالط لبني آدم في أماكنهم. (٤)
____________
١ ـ الصافات : ١٦٤.
٢ ـ الحاقة : ٣٨ ـ ٣٩.
٣ ـ تاج العقائد : ٤٥.
٤ ـ تاج العقائد : ٤٦.

                                           سامى العقيبى