الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

أفضل الخلق على الله (محمد صلى الله عليه وسلم


المؤمنون يصدِّقون بجميع الأنبياء والرسل ، والكتب المُنَزَّلة من السماء ، على عباد الله المرسلين والأنبياء لا يُفَرِّقون بين أحدٍ منهم ، فَيُؤْمِنُون بِبَعْضٍ ويَكْفُرون ببعض ، بل الجميع عندهم صادقون بَارُّون راشدون مَهْدِيُّون هادون إلى سبيل الخير ، وإنْ كان بعضهم يَنْسَخ شريعة بعض ، حتى نُسِخَ الجميع بشرع محمدٍ خَاتَم الأنبياء والمرسَلِين ، الذي تَقُومُ الساعة على شريعَتِهِ . تفسير ابن كثير1/736

أما تفاضل الأنبياء بعضهم على بعض فإن الله عز وجل أخبرنا بذلك فقال : ( تِلْكَ الرُّسل فضَّلنا بعضهم على بعضٍ منهم من كَلَّم الله ورَفَعَ بعضهم دَرَجَاتٍ ) البقرة/253 ، فأخبرنا الله أن بعضهم فوق بعض درجات ولذلك كان المصطفى من الرسل هم ألو العزم قال تعالى : ( وإذ أخذنا من النَّبيينَ ميثاقَهُمْ ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً ) الأحزاب/7 .

ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضلهم ويَدَلُّ لذلك أنه إمامهم ليلة المعراج ، ولا يقدم إلا الأفضل ومما يدل على أنه أفضلهم ما جاء عن أَبُي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ " رواه مسلم ( الفضائل/4223)

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم يَوْم الْقِيَامَة , وَأَوَّل مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْر , وَأَوَّل شَافِع وَأَوَّل مُشَفَّع ) قَالَ الْهَرَوِيُّ : السَّيِّد هُوَ الَّذِي يَفُوقُ قَوْمه فِي الْخَيْر , وَقَالَ غَيْره : هُوَ الَّذِي يُفْزَعُ إِلَيْهِ فِي النَّوَائِب وَالشَّدَائِد , فَيَقُومُ بِأَمْرِهِمْ , وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ مَكَارِههمْ , وَيَدْفَعُهَا عَنْهُمْ . وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَوْم الْقِيَامَة ) مَعَ أَنَّهُ سَيِّدهمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة , فَسَبَبُ التَّقْيِيد أَنَّ فِي يَوْم الْقِيَامَة يَظْهَرُ سُؤْدُده لِكُلِّ أَحَدٍ , وَلا يَبْقَى مُنَازِع , وَلا مُعَانِد , وَنَحْوه , بِخِلافِ الدُّنْيَا فَقَدْ نَازَعَهُ ذَلِكَ فِيهَا مُلُوكُ الْكُفَّار وَزُعَمَاء الْمُشْرِكِينَ . قَالَ الْعُلَمَاء : وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم ) لَمْ يَقُلْهُ فَخْرًا , بَلْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْفَخْر فِي غَيْر مُسْلِم فِي الْحَدِيث الْمَشْهُور : ( أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم وَلا فَخْرَ ) وَإِنَّمَا قَالَهُ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا اِمْتِثَال قَوْله تَعَالَى : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّك فَحَدِّثْ ) وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ الْبَيَان الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغه إِلَى أُمَّته لِيَعْرِفُوهُ , وَيَعْتَقِدُوهُ , وَيَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ , وَيُوَقِّرُوهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا تَقْتَضِي مَرْتَبَتُهُ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى . وَهَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِتَفْضِيلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ ; لأَنَّ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّ الآدَمِيِّينَ أي أهل الطاعة والتقى أفضل مِنْ الْمَلائِكَة , وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَل الآدَمِيِّينَ وَغَيْرهمْ . وَأَمَّا الْحَدِيث الآخَر : " لا تُفَضِّلُوا بَيْن الأَنْبِيَاء " فَجَوَابه مِنْ خَمْسَة أَوْجُه : أَحَدهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ قَبْل أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَيِّد وَلَد آدَم , فَلَمَّا عَلِمَ أَخْبَرَ بِهِ . وَالثَّانِي قَالَهُ أَدَبًا وَتَوَاضُعًا . وَالثَّالِث أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إِلَى تَنْقِيص الْمَفْضُول . وَالرَّابِعإِنَّمَا نَهْيٌ عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إِلَى الْخُصُومَة وَالْفِتْنَة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور فِي سَبَب الْحَدِيث . وَالْخَامِس أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِالتَّفْضِيلِ فِي نَفْس النُّبُوَّة , فَلا تَفَاضُلَ فِيهَا , وَإِنَّمَا التَّفَاضُل بِالْخَصَائِصِ وَفَضَائِل أُخْرَى وَلا بُدَّ مِنْ اِعْتِقَادِ التَّفْضِيل , فَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) وَاَللَّه أَعْلَم .أهـ

وخصائص النبي صلى الله عليه وسلم التي تؤكد أفضليته على باقي الرسل كثيرة نذكر بعضا منها مما جاء في الكتاب والسنة :

أن الله عز وجل خصَّ القرآن الكريم المُنَزَّل عليه بالحفظ دون غيره من الكتب ، قال تعالى : ( إنّا نحن نزَّلنا الذِّكر وإنّا له لحافظون ) الحجر/9 ، أما الكتب الأخرى فقد وَكَلَ الله أمْرَ حفظها إلى أهلها قال تعالى : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور يَحْكُم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربَّانِيُّون والأحبار بما اسْتُحْفِظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ) المائدة/44 .

أنه خاتم الأنبياء والمرسلين قال تعالى : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) الأحزاب/40 .

اختصاصه بأنه أرسل إلى الناس عامة قال تعالى : ( تَبَارَكَ الذي نَزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ) الفرقان/1 .

ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم في الأخرة :

أنه صاحب المقام المحمود يوم القيامة قال تعالى : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يَبْعَثَكَ ربك مقاماً محموداً ) الإسراء/79 ، قال ابن جرير : قال أكثر أهل التأويل : ذلك المقام الذي يقومه صلى الله عليه وسلم للشفاعة يوم القيامة للناس ، لِيُرِيحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم . تفسير ابن كثير5/103

أنه سيد الخلق يوم القيامة ، وتقدم ذكر الحديث فيه .

أنه أول من يَجُوزُ الصِّراط بأمته يوم القيامة أخرج البخاري في ذلك حديث أبي هريرة الطويل ، وفيه ….." فأكون أول من يَجُوزُ من الرسل بأمته " (الأذان/764) . ومن الأدلة الواضحة على أنه أفضل الأنبياء أنهم كلهم لا يشفعون ، ويحيل الواحد منهم الناس على الآخر ، حتى يحيلهم عيسى على محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقول : أنا ، ثمَّ يتقدم فيشفع للجميع ، فيحمده على ذلك الأولون والآخرون ، والأنبياء وسائر الخلق .

وخصائصه عليه الصلاة والسلام التي وردت الآيات والأحاديث الصحيحة أكثر من أن نذكرها في مقام مُوجَز ، فقد أُلِّفَتْ فيها الكتب .

انظر كتاب خصائص المصطفى صلى الله عيه وسلم بين الغلو والجفاء للصادق بن محمد 33-79

والخلاصة : أننا نفضل نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عن سائر الأنبياء والناس ، للأدلة الواردة في ذلك ، مع حفظنا لحقوق جميع الأنبياء والمرسلين والإيمان بهم وتوقيرهم . والله تعالى أعلم .


أجمعت الأمة على أن بعض الأنبياء أفضل من بعض ، وعلى أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل من الكل ، ويدل عليه وجوه :

أحدها : قوله تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) [ الأنبياء : 107 ] فلما كان رحمة لكل العالمين لزم أن يكون أفضل من كل العالمين .

الحجة الثانية : قوله تعالى : ( ورفعنا لك ذكرك ) [ الشرح : 4 ] فقيل فيه لأنه قرن ذكر محمد بذكره في كلمة الشهادة وفي الأذان وفي التشهد ، ولم يكن ذكر سائر الأنبياء كذلك .

الحجة الثالثة : أنه تعالى قرن طاعته بطاعته ، فقال : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) [ النساء : 80 ] وبيعته ببيعته فقال : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ) [ الفتح : 10 ] وعزته بعزته فقال : ( ولله العزة ولرسوله ) [ المنافقون : 8 ] ورضاه برضاه فقال : ( والله ورسوله أحق أن يرضوه ) [ التوبة : 62 ] وإجابته بإجابته فقال : ( ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول ) [ الأنفال : 24 ] .

الحجة الرابعة : أن الله تعالى أمر محمدا بأن يتحدى بكل سورة من القرآن فقال : ( فأتوا بسورة من مثله ) [ البقرة : 23 ] وأقصر السور سورة الكوثر وهي ثلاث آيات ، وكان الله تحداهم بكل ثلاث آيات من القرآن ، ولما كان كل القرآن ستة آلاف آية ، وكذا آية ، لزم أن لا يكون معجز القرآن معجزا واحدا بل يكون ألفي معجزة وأزيد .

[
ص: 166 ] وإذا ثبت هذا فنقول : إن الله سبحانه ذكر تشريف موسى بتسع آيات بينات ، فلأن يحصل التشريف لمحمد بهذه الآيات الكثيرة كان أولى .

الحجة الخامسة : أن معجزة رسولنا صلى الله عليه وسلم أفضل من معجزات سائر الأنبياء فوجب أن يكون رسولنا أفضل من سائر الأنبياء .


الحجة السادسة : أن معجزته عليه السلام هي القرآن وهي من جنس الحروف والأصوات وهي أعراض غير باقية ، وسائر معجزات سائر الأنبياء من جنس الأمور الباقية ثم إنه سبحانه جعل معجزة محمد صلى الله عليه وسلم باقية إلى آخر الدهر ، ومعجزات سائر الأنبياء فانية منقضية .

الحجة السابعة : أنه تعالى بعد ما حكى أحوال الأنبياء عليهم السلام قال : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) [ الأنعام : 90 ] فأمر محمدا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بمن قبله ، فإما أن يقال : إنه كان مأمورا بالاقتداء بهم في أصول الدين وهو غير جائز لأنه تقليد ، أو في فروع الدين وهو غير جائز ، لأن شرعه نسخ سائر الشرائع ، فلم يبق إلا أن يكون المراد محاسن الأخلاق ، فكأنه سبحانه قال : إنا أطلعناك على أحوالهم وسيرهم ، فاختر أنت منها أجودها وأحسنها وكن مقتديا بهم في كلها ، وهذا يقتضي أنه اجتمع فيه من الخصال المرضية ما كان متفرقا فيهم ، فوجب أن يكون أفضل منهم .

الحجة الثامنة : أنه عليه السلام بعث إلى كل الخلق وذلك يقتضي أن تكون مشقته أكثر ، فوجب أن يكون أفضل ، أما إنه بعث إلى كل الخلق فلقوله تعالى : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس ) [ سبأ : 28 ] وأما إن ذلك يقتضي أن تكون مشقته أكثر فلأنه كان إنسانا فردا من غير مال ولا أعوان وأنصار ، فإذا قال لجميع العالمين : يا أيها الكافرون صار الكل أعداء له ، وحينئذ يصير خائفا من الكل ، فكانت المشقة عظيمة ، وكذلك فإن موسى عليه السلام لما بعث إلى بني إسرائيل فهو ما كان يخاف أحدا إلا من فرعون وقومه ، وأما محمد عليه السلام فالكل كانوا أعداء له ، يبين ذلك أن إنسانا لو قيل له : هذا البلد الخالي عن الصديق والرفيق فيه رجل واحد ذو قوة وسلاح فاذهب إليه اليوم وحيدا وبلغ إليه خبرا يوحشه ويؤذيه ، فإنه قلما سمحت نفسه بذلك ، مع أنه إنسان واحد ، ولو قيل له : اذهب إلى بادية بعيدة ليس فيها أنيس ولا صديق ، وبلغ إلى صاحب البادية كذا وكذا من الأخبار الموحشة لشق ذلك على الإنسان ، أما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان مأمورا بأن يذهب طول ليله ونهاره في كل عمره إلى الجن والإنس الذين لا عهد له بهم ، بل المعتاد منهم أنهم يعادونه ويؤذونه ويستخفونه ، ثم إنه عليه السلام لم يمل من هذه الحالة ولم يتلكأ ، بل سارع إليها سامعا مطيعا ، فهذا يقتضي أنه تحمل في إظهار دين الله أعظم المشاق ، ولهذا قال تعالى : ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ) [ الحديد : 10 ] ومعلوم أن ذلك البلاء كان على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإذا عظم فضل الصحابة بسبب تلك الشدة فما ظنك بالرسول ، وإذا ثبت أن مشقته أعظم من مشقة غيره وجب أن يكون فضله أكثر من فضل غيره ..

[
ص: 167 ] الحجة التاسعة : أن دين محمد عليه السلام أفضل الأديان ، فيلزم أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء .

بيان الأول : أنه تعالى جعل الإسلام ناسخا لسائر الأديان ، والناسخ يجب أن يكون أفضل لقوله عليه السلام : " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة " فلما كان هذا الدين أفضل وأكثر ثوابا ، كان واضعه أكثر ثوابا من واضعي سائر الأديان ، فيلزم أن يكون محمد عليه السلام أفضل من سائر الأنبياء .

الحجة العاشرة : أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأمم ، فوجب أن يكون محمد أفضل الأنبياء .

بيان الأول قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) [ آل عمران : 110 ] .

بيان الثاني : أن هذه الأمة إنما نالت هذه الفضيلة لمتابعة محمد صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) [ آل عمران : 31 ] وفضيلة التابع توجب فضيلة المتبوع ، وأيضا إن محمدا صلى الله عليه وسلم أكثر ثوابا لأنه مبعوث إلى الجن والإنس ، فوجب أن يكون ثوابه أكثر ، لأن لكثرة المستجيبين أثرا في علو شأن المتبوع .

الحجة الحادية عشرة : أنه عليه السلام خاتم الرسل ، فوجب أن يكون أفضل ، لأن نسخ الفاضل بالمفضول قبيح في المعقول .

الحجة الثانية عشرة : أن تفضيل بعض الأنبياء على بعض يكون لأمور :

منها : كثرة المعجزات التي هي دالة على صدقهم وموجبة لتشريفهم ، وقد حصل في حق نبينا عليه السلام ما يفضل على ثلاثة آلاف ، وهي بالجملة على أقسام ، منها ما يتعلق بالقدرة ، كإشباع الخلق الكثير من الطعام القليل ، وإروائهم من الماء القليل ، ومنها ما يتعلق بالعلوم كالإخبار عن الغيوب ، وفصاحة القرآن ، ومنها اختصاصه في ذاته بالفضائل ، نحو كونه أشرف نسبا من أشراف العرب ، وأيضا كان في غاية الشجاعة. وكتب الحديث ناطقة بتفصيل هذه الأبواب .

الحجة الثالثة عشرة : قوله عليه السلام : " آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة " وذلك يدل على أنه أفضل من آدم ومن كل أولاده ، وقال  : " أنا سيد ولد آدم ولا فخر "

[
ص: 168 ] الحجة الرابعة عشرة :قال تعالى مبيناً عنايته برسوله ورعايته له وحفاوته به: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [سورة الضحى]
قال ابن كثير: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس قال: سمعت جُندباً يقول: اشتكى النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يَقُم ليلة أو ليلتين، فأتت امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فأنزل الله ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾.
قال ابن كثير: ورواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن الأسود ابن قيس عن جندب بن عبد الله البجلي ثم العلقي به. وفي رواية سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس سمع جندباً قال: أبطأ جبريل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال المشركون وَدَّع محمداً ربُّه فأنزل الله تعالى: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾.
قلتُ: يُدافع عن نبيِّه الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
ثم قال-رحمه الله-: «وهذا قسم منه تعالى بالضحى وما جعل فيه من ضِياء والليل إذا سَجَى أي سَكَن فأظلم وادلهم: قاله مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم وذلك دليل على قدرة خالقِ هذا وهذا.

الحجة الخامسة عشرة : روى مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ولا فخر ، بعثت إلى الأحمر والأسود ، وكان النبي قبلي يبعث إلى قومه ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، ونصرت بالرعب أمامي مسيرة شهر ، وأحلت لي الغنائم ولم تكن لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة فادخرتها لأمتي ، فهي نائلة إن شاء الله تعالى لمن لا يشرك بالله شيئا " وجه الاستدلال أنه صريح في أن الله فضله بهذه الفضائل على غيره .

الحجة السادسة عشرة : قال محمد بن عيسى الحكيم الترمذي في تقرير هذا المعنى : إن كل أمير فإنه تكون مؤنته على قدر رعيته ، فالأمير الذي تكون إمارته على قرية تكون مؤنته بقدر تلك القرية ، ومن ملك الشرق والغرب احتاج إلى أموال وذخائر أكثر من أموال أمير تلك القرية فكذلك كل رسول بعث إلى قومه فأعطي من كنوز التوحيد وجواهر المعرفة على قدر ما حمل من الرسالة ، فالمرسل إلى قومه في طرف مخصوص من الأرض إنما يعطى من هذه الكنوز الروحانية بقدر ذلك الموضع ، والمرسل إلى كل أهل الشرق والغرب إنسهم وجنهم لا بد وأن يعطى من المعرفة بقدر ما يمكنه أن يقوم بسعيه بأمور أهل الشرق والغرب ، وإذا كان كذلك كانت نسبة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى نبوة سائر الأنبياء كنسبة كل المشارق والمغارب إلى ملك بعض البلاد المخصوصة ، ولما كان كذلك لا جرم أعطي من كنوز الحكمة والعلم ما لم يعط أحد قبله ، فلا جرم بلغ في العلم إلى الحد الذي لم يبلغه أحد من البشر قال تعالى في حقه : ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) [ النجم : 10 ] وفي الفصاحة إلى أن قال : " أوتيت جوامع الكلم " وصار كتابه مهيمنا على الكتب وصارت أمته خير الأمم .

الحجة السابعة عشرة : رقال تعالى: ﴿ن * وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾
قال المشركون فيه -صلى الله عليه وسلم- ساحر ومجنون... فدافع الله تعالى عن رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- وردَّ على أعدائه وأخزاهم وبيَّن مكانته -صلى الله عليه وسلم-.
قالت عائشة-رضي الله عنها-: ( كان خلقه القرآن ). ولنا فيه أسوة -صلى الله عليه وسلم-.
وقال تعالى:﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران (159)] .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما-قال: ( لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- فاحشاً ولا مُتَفَحِشاً وكان يقول: إنَّ مِنْ خيارِكم أحسنِكم أخلاقاً ) 
قلت شهد الله له بحسن الخلق وإن كان خلقه القرآن فمن خير منه .
الحجة الثامنة عشرة : في " الصحيحين " عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتا فأحسنها وأجملها وأكملها إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبهم البنيان فيقولون : ألا وضعت ههنا لبنة فيتم بناؤك ؟ فقالمحمد : كنت أنا تلك اللبنة " .
وعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّفكان هو خير الناس لأهله وفضل على العالمين في ذلك .
الحجة التاسعة عشرة : أن الله تعالى كلما نادى نبيا في القرآن ناداه باسمه ( ياآدم اسكن ) [ البقرة : 35 ] ، ( وناديناه أن ياإبراهيم ) [ الصافات : 104 ] ، ( ياموسى إني أنا ربك ) [ طه : 11 ، 12 ] وأما النبي عليه السلام فإنه ناداه بقوله : ( ياأيها النبي ) [الأنفال : 64 ] ، ( ياأيها الرسول ) [ المائدة : 41 ] وذلك يفيد الفضل .